تراجع دور الأحزاب لصالح النخب التقليدية
د. محمد الجبور
13-08-2017 03:36 PM
إن التطور الذي عرفته الأحزاب السياسية منذ بداية القرن العشرين وتحولها إلى ظاهرات اجتماعية مؤسساتية أدت إلى تحولات بنيوية عميقة في طبيعة الأنظمة السياسية، خاصةً في البلدان المتقدمة. فالأنظمة السياسية الحديثة المرتكزة على الأحزاب المنظمة تختلف كلياً عن أنظمة الحكم الفردي التي عُرفت في القرن التاسع عشر.
لذلك لابد من إعادة النظر بالتحليلات الكلاسيكية للأنظمة السياسية. فالتمييز التقليدي بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي مثلاً أوشك أن يصبح بدون معنى. فالنظام البريطاني بعيد عن النظام الفرنسي وعن النظام الأميركي بالرغم من تشابه المؤسسات القائمة. وكذلك مفاهيم الوزارة ومسألة الثقة والمسؤولية السياسية لم يعد لها نفس المعنى.
فدراسة الأنظمة السياسية من خلال الدستور لا تؤدي إلى فهم تلك الأنظمة لأن الدساتير تتجاهل دور الأحزاب.
كما أن الأنظمة السياسية من خلال الأحزاب فقط تصبح غير مكتملة وإن كانت صحيحة إذا لم ندمجها بدراسة الدساتير.
تنصب الدراسات للأنظمة السياسية المعاصرة حول مفهوم الديمقراطية التي تعني بالتعريف الكلاسيكي اختيار الحاكم من قبل المحكومين عن طريق الانتخابات الحرة. وقد ظهرت بفضل الفلاسفة وعلماء القانون نظرية التمثيل التي بموجبها يُعطي الناخب للمنتخب وكالة ليتكلم ويتصرف باسمه.
غير أن نمو الأحزاب وتطورها أدّى إلى تحوير كبير لعملية الانتخاب. فلم يعد الحوار بين الناخب والمنتخب ولا بين الأمّة والبرلمان، إذ تدخل فريق ثالث بينهما مما أدى إلى تغيير جذري في العلاقة السابقة. فقبل أن ينتخب النائب من قبل ممثليه يقع عليه اختيار الحزب.
ولا يقوم الناخب إلا بتزكية هذا الاختيار. وتصبح هذه الظاهرة بارزة في ظل الأنظمة ذات الحزب الواحد حيث يقدم مرشح واحد نفسه لكسب رضى الجمهور. وهكذا أصبحت الأحزاب هي التي تسمي المرشحين وهي التي تقود الحملة الانتخابية.
إنها بتعبير آخر تختار الحكام. غير أن دورها لا يقتصر فقط على هذه النواحي، بل يتعداها لتكوين أو تشويه الرأي العام. وعليه سوف نبحث في هذا الإطار دور الأحزاب السياسية في اختيار الحكام وتمثيل الرأي العام.