من أجل مجلس ملكي مهني متخصص
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
13-08-2017 03:05 PM
يمر الاردن بمرحلة صعبة قد تعتبر نقطة تحول فإما ان ننتقل الى دولة ناجحة منافسة او ان نتعايش مع جرعة من الفوضى والترهل الاداري في تفاصيل الحياة اليومية لتصبح جزءا مألوفا نتعايش معه. بالتأكيد أن الاردن لا تعاني من ازمة وجود أو بقاء فالأردن عبرت ظروفا أصعب وتهديدات أكبر ولكنها ازمة نوعية حياة داخلية تخص المواطن والمؤسسات. أسوق هذه المقدمة لقناعتي أن الاردن قادر ويمتلك كافة المقومات ليكون دوله منافسه مثل سنغافورة او السويد او ماليزيا او الامارات إذا أحسنا التدبير. أما اذا استسلمنا للواقع ومحدودية مواردنا و ضيق افق ادارة الكثير من المؤسسات فعلينا التعايش مع وضع لا يليق بنا و بالكفاءات التي نمتلك و ندخل في نفق الترهل الاداري والعوز المادي و صعوبة الحياة بتفاصيلها اليومية التي ستسهلك الجهد والتفكير و الاموال في تسكين الاعراض بدل شفاء المرض.
أن انتقالنا من مرحلة الى مرحلة يحتاج مجلس ملكي من ذوي الكفاءة المخلصين لهذا الوطن بعقول منفتحة على التطور التكنولوجي على أن يكون لهم غطاء سياسي أو مظلة ملكيه ليطرحوا كل التفاصيل دون ان يكونوا معرضين للمسائلة او الانتقام من مؤسساتهم أو من اي مؤسسات تحتاج للنقد.
لنجاح هذا المجلس لا بد ان يبتعد عن الملف الامني و الملف السياسي فالأول يدار من قبل مؤسسات متخصصة في ذلك و أما الثاني فقد استهلك فيه الكثير من الوقت و الجهد و المفروض ان يترك لمن يرغب بالعمل بالسياسة. أما المؤسسة العسكرية فهي بالتأكيد خارج المعادلات الداخلية فهي سلكت طريق منذ تأسيس الاردن بأن تكون مظلة حماية و اطمئنان لكل الاردنيين ولكن يمكن الاستفادة من خبراتهم في عمل المجلس الملكي.
الهدف من هذا المجلس ان يضع خطط و يناقش حلول لإدارة الوضع الداخلي في ملفات التعليم و الصحة و الاعلام و الاقتصاد و الصناعة و التجارة و الزراعة و الحياة اليومية للمواطن على أن يكون له هدفين الاول كيف للأردن ان تكون دولة رائده في هذه المجالات بعد خمس و بعد 10 سنوات و الثاني كيف يمكن ان تبدأ السياسات بالانعكاس المباشر على الحياة اليومية للمواطن ايجابيا وعمليا و ليس ارقاما و انجازات ورقيه و اعلاميه استهلكت من رصيد الثقة بين المواطن و مؤسساته.
قد يقول قائل ان هذه المجالس موجوده و ان الوزارات و مجلس الاعيان و المجالس المختلفة تغني عنها. لكنني أرى بأن الكثير من الافراد في المجالس المذكورة اتخذ منحى سياسي أكثر منه مهني وأصبح مكبلا بطموح البقاء في الكراسي وارضاء العامة والابقاء على المكتسبات الفردية والعائلية. ناهيك عن ان سياسة تدوير المهام لنفس الاشخاص في القطاعات المختلفة اثبتت فشلها لان الخلافات الشخصية اصبحت تطغى على المصلحة العامة في كثير من الاحيان و لا حاجه للحديث عن اللوبيات التي اصبحت تتشكل في كل قطاع على حساب الكفاءة و الفعالية و الحوكمه.
ان النتائج تحدد المنهج و تقيمه ان كان سليما ام عقيما و النهوض بقطاع لا يمكن أن يكون من خلال فرد بل من خلال سياسة عامة و مراقبة و معايير قابله للقياس الحقيقي بعيدا عن الانجازات الوهمية على صفحات الصحف و المواقع.
تأكيدا لما ذهبت اليه سأذكر بعض الأمثلة العامة: نقرأ يوميا عن انجازات أسطورية للمؤسسات التعليمية و الجامعات و عندما تخرج نتائج تقييم عالمي بمعايير حقيقيه نجد ان ليس هنالك جامعة اقتربت من الخمسمائة جامعه الاولى برغم توفر الكفاءات العلمية و البحثية و العلماء في جامعاتنا. مثال اخر: نقرأ يوميا عن انجازات المسؤولين عن الطب والصحة بالبلد وعن الخطط المستقبلية لرفع سوية القطاع لنجد ان الاردن يتراجع كمنافس في السياحة العلاجية ولنجد ان ما يصرف على الصحة من ميزانيه كافي لتامين الشعب بأكمله في أفضل مستشفيات القطاع الخاص ولنجد ان المواطن لا يشعر بالثقة والامان للعلاج في القطاع العام فاين تلك الانجازات. نعطي مثال اخر: نتحدث عن التطور الاعلامي و عندما ندخل بالتفاصيل نجد ان الاعلاميين المبدعين في محطات و صحف عربيه و اجنبيه نسبه كبيره منهم اردنيين خرجوا من البلد بسبب الظلم و الاقصاء و التهميش الذي تعرضوا له من مدراءهم و نجد في اعلامنا ان الكل يتحدث كخبير في كل قطاع و لكن لا نجد محرر متخصص في الامور الطبية او الامور الهندسية او التعليمية او الزراعية او الثقافية بل كل كاتب او صحفي يريد ان يكون خبير سياسي امني طبي تعليمي زراعي اقتصادي ثقافي.
لقد ان الاوان ان نترك امور السياسة و الامن و الدين و التحليلات العسكرية للمتخصصين بها من مؤسسات و افراد و ان ننشئ مجلس من الكفاءات والعقول التي تزخر بها جامعاتنا لتهتم بالقطاعات المهنية تضع اهداف وسياسات و مناهج و الية مراقبه بمعايير قابله للقياس و التقييم كل 6 شهور على ان تكون بسيطة قابله للتطبيق لا تدخلنا في نفق الجمل الإنشائية الخشبية. لا أجد انه مقبول ان تستهلك طاقات الجميع من المواطن البسيط الى الاستاذ الدكتور في الآراء السياسية والدينية والأمنية وترك القطاعات التي تشكل الحياة الداخلية والمستقبل. جلالة الملك و المؤسسة العسكرية والأمنية تمسك بالملف الامني و العسكري و الخارجي و اثبتت الايام انهم يديرونه باقتدار بشهادة الخارج قبل الداخل, اذا لنترك لهم الملف الامني و العسكري و السياسة و لنترك الافتاء لدائرة الاوقاف و الافتاء فهم اعلم و افقه من الجميع و ليس بالضرورة ان يكون كل مواطن صاحب رأي ديني و قادر على الفتوى لمجرد انه قرأ مقال او سمع خطبة جمعه, و كذلك ليتفرغ اهل الطب للطب و اهل التعليم للعلم و اهل الصحافة ليتخصصوا كل في قطاع.
الخلاصة أنه بعيدا عن القطاعات الأمنية و العسكرية و الدينية فإنني اجد ان ادارة القطاعات المختلفة تمر بمرحلة ترهل تظهرها نتائج التقييم و التصنيف الخارجي مثل تصنيف المؤسسات و لا ينفع تغطيتها بإنجازات وهميه على صفحات الصحف و المواقع و قناعتي أن الكثير من المسؤولين في تلك القطاعات اصبح مشكله و ليس حلا خصوصا من تخلف عن مواكبة التطوير التكنولوجي و تطور المعرفة و الاتصالات. كما اعتقد ان تركيز الصلاحيات في يد فرد او افراد داخل المؤسسات و الوزارات و الجامعات اضعفها و عمق البيروقراطية المعيقة لأي تطور.
لذلك اطرح المقترح عسى ان يجد اذانا صاغية او يجد مسؤولا ما زال قلبه على هذا البلد و مستقبله بإيصاله الى سيد البلاد جلالة الملك عبدالله لإنشاء مجلس ملكي من العقول و المتخصصين في الجامعات و ليس من الوجوه المعروفة الدارجة التي اعطت كل ما عندها ليكونوا بمثابة مجلس استشاري كل في تخصصه للإجابة على سؤال كيف يمكن ان تنهض الاردن من جديد لتنافس دولا مثل سنغافورة او السويد في مجالات التعليم و البحث العلمي و الصحة والطب والزراعة والصحافة والاقتصاد والمعرفة والتكنولوجيا و كيف يمكن ان تنعكس هذه الخطط على المواطن من اليوم الاول لتسهل حياته اليومية وتبعث فيه الامل و ان تشير الى مواقع و تفاصيل الصعوبات في حياتنا اليومية من اخلاقيات التعامل الى قيادة المركبات الى حوادث السير الى العنف الى قبول الاخر و ذلك لنبدأ مرحلة جديدة.