كنت أتابع عن كثب رد فعل الشارع الأردني على إغلاق العدو الصهيوني للأقصى أمام المصلين، وقيام حارس السفارة الصهيونية بقتل مواطنين أردنيين.
الانطباع الأولي الذي تشكل لدي وأنا أرصد المنشورات والتغريدات والتعليقات هنا وهناك أثناء تجوالي في طرقات الشبكة العنكبوتية ودروب مواقع التواصل الاجتماعي، هو أن نسبة تكاد تمثل معظمنا نحن الأردنيين ليس لديها بنية تحتية لغوية تؤهلها لأدنى مستوى من مستويات الصراع الفكري مع العدو الصهيوني.
ذلك أن نسبة كبيرة من "الفيسبوكيين" والمغردين وبعض الكتاب والصحفيين في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية والمنتديات الأردنية، كانوا يكتبون كلمة (إسرائيل) بدلا من الكيان الصهيوني، وجيش الاحتلال (الإسرائيلي) عوضا عن جيش الاحتلال الصهيوني، والسفارة (الإسرائيلية) بدلا من السفارة الصهيونية. ولو وضعوا –وأعوذ بالله من كلمة لو-كلمتي (إسرائيل) و(إسرائيلي) بين قوسين لكان الانطباع إيجابيا أكثر نوعا ما.
الأردني الذي يسمع في النشرات الإخبارية وغيرها من البرامج في الإذاعة الأردنية والمحطات الفضائية الأردنية الرسمية وغير الرسمية منها عبارة "رئيس الوزراء (الإسرائيلي)"، ربما يكتب تلقائيا على جداريته "الفيسبوكية" "رئيس الوزراء (الإسرائيلي)". والأردني الذي يقرأ (جيش الاحتلال (الإسرائيلي)" في إحدى المقالات لإحدى كبريات الصحف الأردنية، ربما يغرد عفويا "جيش الاحتلال (الإسرائيلي)".
أخطر أشكال الصراع -وليس النزاع والفرق بينهما شاسع ومهم- مع العدو الصهيوني هو الصراع الفكري. وأقوى أداة يستخدمها الفكر في الدفاع عن محتواه والذود عن مضمونه هي: اللغة.
وتسليح الفكر الأردني في مواجهة الفكر الصهيوني يبدأ من تجهيز بنية تحتية لغوية صلبة قوامها وأساسها المصطلحات المستخدمة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن هذا الفكر.
ذلك أن قراءة أولية للمصطلحات المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي ومقالات الصحف والمنتديات في إطار الصراع الفكري مع العدو الصهيوني تعطينا قناعة باننا نكاد نكون أمام أمية اصطلاحية في نطاق الصراع الفكري مع العدو الصهيوني!
ومن الأمثلة على ذلك، أن الكثيرين منا يستخدمون (مستوطنة) بدلا من مغتصبة، و(معبر) عوضا عن حاجز، و(معتقل فلسطيني) بدلا من أسير، و(القضية الفلسطينية) عوضا عن الحق الفلسطيني، وما هذه الأمثلة إلا غيض من فيض.
فنحن عندما نقول مثلا (إسرائيل) بدلا من الكيان الصهيوني، نقر ضمنيا ونعترف من حيث لا ندري بشرعية العلم الصهيوني الذي نحرقه كلما هاجت مشاعرنا أو ماجت قلوبنا! وربما لم يعد يخفى على أحد بعد أن العلم الصهيوني الذي يضم خطين أزرقين بينهما نجمة داؤود على خلفية بيضاء هو الترجمة الفعلية للشعار الموجود على مدخل ما يسمى بالكنيست الصهيوني: "أرضك يا (إسرائيل) من النيل إلى الفرات". والخط الأزرق العلوي في العلم الصهيوني يمثل نهر النيل، بينما يمثل الخط الأزرق السفلي نهر الفرات، وما نجمة داؤود بينهما إلا رمز لسيطرة الكيان الصهيوني على المنطقة الموجودة بين ذينك النهرين! وما زلنا نردد آناء الليل وأطراف النهار: حارس السفارة (الإسرائيلية)، ووزير الدفاع (الإسرائيلي) ... إلخ!
ولكي تتضح الصورة لك أكثر عزيزي القارئ حول مدى خطورة الأمية الاصطلاحية في سياق صراعنا الفكري مع العدو الصهيوني، لننظر للمسالة من زاوية أخرى، أي لنفترض أنك بريطاني -مثلا لا حصرا- وقد صادفتك العبارة التالية وأنت تطالع إحدى الصحف الإنجليزية اليومية برفقة كوب من الشاي الإنجليزي الساخن ذات صباح ضبابي لندني: "The Jewish state" والتي تعني ترجمتها: (الدولة اليهودية)، ماذا سيكون انطباعك الأولي عن الكيان الصهيوني كبريطاني بسبب هذه العبارة؟ لربما ترتشف الشاي ولسان حالك يقول:" إنه دولة ذات سيادة يهودية على أرض يهودية!".
قد يقلل البعض من القراء من أهمية دق ناقوس خطر الأمية الاصطلاحية ضمن الصراع الفكري مع العدو الصهيوني، لكنني أختم مقالي بسؤال واحد لك عزيزي القارئ: أي من الكلمتين التاليتين يكون لها أثر التخدير التدريجي والتنويم المتدرج للفكر المتيقظ المتأهب للصراع الفكري مع العدو الصهيوني: شهيد أم (قتيل)؟