الصفدي في بغداد .. دبلوماسية فائضة عن الحاجة
حازم مبيضين
13-08-2017 02:31 AM
بعد كثير من التصريحات المتبادلة بين عمان وبغداد، عن قرب إعادة معبر طريبيل الحدودي بين العراق والأردن إلى العمل، لم يجد وزير الخارجية الأردني مفراً من زيارة العراق، وعلى أجندته بالدرجة الأولى تحديد موعد لافتتاح المعبر، باعتبار أن ذلك يمثل رسالة تؤكد هزيمة الإرهاب، لكن الرجل فوجئ بنظيره العراقي يُعاتب على هفوات يرتكبها بعض الافراد الأردنيين ضد العراقيين، وهو يعرف تماماً وبالتأكيد أن الحكومة الأردنية لا تُحرّض ضد العراقيين ولا سواهم وأن الأردني الذي يرتكب هفوة من هذا القبيل يخضع للقانون والمحكمة التي تقرر نوع العقوبة التي يستحقها. ومعروف أن هناك اليوم عشرات الألوف من العراقيين في الأردن بعد ان كان هناك مئات الألوف ويعاملون معاملة حسنة، وإذا كان هناك أي اعتداءات عليهم فإن السلطات الأردنية مستعدة لاتخاذ إجراءاتها ضد المعتدين. وقد أكد الصفدي أن الاردن لن يسمح لأي كان بالإساءة إلى العلاقات العراقية الاردنية، وأنه إذا أساء عراقي للأردن فإن عمان لن تتهم الحكومة العراقية بذلك ولن تسمح لأي كان بالإساءة إلى العلاقة العراقية الأردنية. أما بشأن ما يوصف بالإساءات الطائفية التي يتعرض لها العراقيون في الأردن قال الوزير إنها حالات فردية ولا تمثل الحكومة الأردنية، وعمان جادة في التعامل بحزم مع تلك الحالات.
الوزير الصفدي كان دبلوماسياً أكثر من اللازم، وهو يؤكد أن الوقوف إلى جانب بغداد هو وقوف إلى جانب استقرار المنطقة، ويعلن دعم العملية السياسية في العراق الذي تؤيده عمان كدولة واحدة، وأن الاستفتاء الذي يعتزم الكرد إجراءه الشهر المقبل يُعتبر شأناً عراقياً، وأن الأردن لا يتدخل بالشأن العراقي، ويقف مع كل ما يساهم باستقراره. ويشدد أن الحرب في العراق هي حرب الجميع، وانتصاره على الإرهاب جزء من معركة الجميع للقضاء على آفة الإرهاب. وأن الأردن يتطلع من العراق إعفاء سلعه من الرسوم الجمركية. وينفى وجود مطلوبين للسلطات العراقية على أراضي بلاده. وفيما يبدو موقفاً دفاعيا بالكامل شدد أن الأردن دولة تلزم القانون وحريصة على أمن العراق.
الجعفري وهو يدعو إلى تفعيل مذكرة التفاهم الأمني مع الأردن واتفاقية ضبط الحدود، كان كمن يتهم عمان بأنها تتقاعس عن تفعيل الاتفاقيتين، وكأنه لا يعرف أن أوضاع بلاده هي التي تقف حائلا دون تفعيلهما، وليس سرا أن ما تبع ذلك من "مجاملة" تبدت في قوله إن الأردن وقف إلى جانب العراق في الكثير من المحافل، معربا عن أمله بأن يمضي الأردن بسياسة التوازن والوسطية التي تجعل العلاقة بين الدول علاقة تكافل. لا تستطيع مجاملة كهذه التغطية على الموقف الحقيقي المتمثل بتحميل عمان الكثير من المسؤولية عن الوضع القائم.
ما يتبقى من حيثيات الزيارة يبدو بعيداً عن الاهتمام، فتصريحات رئيس الجمهورية بروتوكولية بحكم صلاحياته المُقيّدة، ومقولات رئيس البرلمان لا تجد في دهاليز بغداد من يشتريها، أما السيد العبادي فقد اكتفى بمناقشة الوزير حول تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في المجالات السياسية، والتعاون الأمني والاستخباري والاقتصادي والحرب ضد الارهاب، وتوحيد المواقف بشأن القضاء على داعش نهائياً في المنطقة، ومعالجة جذور الإرهاب الفكرية. وتهيئة مستلزمات الإسراع بفتح المنفذ الحدودي مع الاردن، وترك البقية من ما يريد العراق قوله لوزير خارجيته الذي لم يتوانى عن فتح كل الملفات ليواجه بموقف الصفدي الدبلوماسي إلى حد فائض عن الحاجة.
نعرف أن من حق العراق فتح كل الملفات التي يرى وجوب فتحها بقصد إغلاقها نهائياً، لكننا نعرف أيضاً أن من حق الأردن وواجب وزير خارجيته وضع النقاط على الحروف مع بلد نطمح أن تكون علاقاتنا به مميزة وواضحة وناضجة وتخدم مصالح المواطنين في كليهما، وليس اللجوء إلى لغة دبلوماسية فائضة عن الحاجة خجلت حتى الصحف الأردنية من تبنيها مكتفية باللغة البروتوكلية التي لاتسمن ولا تغني من جوع.