عادت نسب النجاح في امتحان الثانوية العامة للارتفاع مجددا؛ بعد النتائج الصادمة التي صاحبت بداية عمليات إصلاح امتحان التوجيهي في عهد الحكومة السابقة. حيث شهدت نسب النجاح في السنوات الثلاث الاخيرة حالة شبه استقرار عند حدود 41 % لتعود هذا العام للارتفاع الى نحو 54 %. واذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الوزارة الغت المادة 24 من تعليمات امتحان الثانوية والتي كانت تعطي صلاحيات تقديرية للوزير والأمين العام ومدير الامتحانات من خلال لجنة مشكلة بزيادة العلامات في الثانوية العامة، فإن هذه النتائج، اذا كانت مطابقة للواقع وتعكس تحصيل الطلبة الفعلية دون أي زيادة أو نقصان وهذا ما نتوقعه، تؤكد ان اصلاحات التعليم تسير بالاتجاه الصحيح.
يقود هذا المؤشر الى احتمالات عودة التعافي الى الجامعات من جهة إعداد المقبولين بعد سنوات من تراجع التنافس في الحصول على مقعد جامعي في معظم جامعات القطاعين العام والخاص، حتى ان جامعات عامة عديدة زاد فيها العرض في معظم البرامج التعليمية على الطلب ودفع وزارة التعليم العالي الى تقديم منح دراسية وحوافز تدعو الطلبة للالتحاق بتلك الجامعات. في هذا الوقت يزداد حراك إصلاح سياسات التعليم العالي، وينتظر ان تطال سياسات القبول.
من مؤشرات التوجيهي التي تتكرر تقريبا كل عام ان نحو نصف المشاركين يتقدمون فعليا للامتحان، وهذا يتكرر لجميع الطلبة بشكل عام وفي الطلبة المنتظمين ايضا، في نفس الوقت فإن نصف المتقدمين ينجحون؛ في هذا العام عدد الطلبة النظاميين بلغ 83 ألفا و625 طالبا وطالبة تقدم منهم للامتحان فعلياً 47 ألفا و512 طالباً وطالبة، اقل من نصفهم لم ينجحوا، اي سيكون مصيرهم الشارع بدون وجود مؤسسات ومسارات واضحة لإعادة بناء قدرات هؤلاء الشباب وضخهم في الاقتصاد الوطني، فمنذ اكثر من عشرين عاما اكتشفنا مدى الحاجة الى تطوير التعليم والتدريب المهني والتقني المتوسط، وضرورة اصلاح التشوهات الهيكلية في هذا الشأن، والى اليوم لم نتقدم اي خطوة حقيقية بالاتجاه الصحيح.
تعوّدنا في كل عام أن نراجع مؤشرات العدالة والكفاءة في النظام التعليمي من زاوية تركز اوائل التوجيهي، وهذا قد لا يكون دقيقا بما يكفي لإصدار الأحكام، في حين أن تراكم المؤشرات وتكررها في اتجاه واحد قد يكون مفيدا في فهم كفاءة النظام التعليمي من جهة وعدالته التوزيعية من جهة أخرى. وعلى سبيل المثال تكررت ظاهرة تركز المعدلات العالية في ألوية، أي مديريات، اكثر من غيرها وما تزال هناك مديريات لا ينجح فيها أحد أو نسب النجاح محدودة؛ هذا العام العشرة الاوائل في الفرع العلمي سبعة من مديرية لواء الجامعة وثلاثة من مديرية قصبة اربد، ويتكرر الامر في الفرع الادبي اذ جاءت اعلى النتائج لمديرية لواء الجامعة وحصدت هذه المديرية ثلاثة من الاوائل، بينما غابت اكثر من 30 مديرية تربية أي لواء عن قوائم الاوائل في الفروع التسعة.
خلال العام الماضي أقدمت وزارة التربية على سلسلة من الاصلاحات على فلسفة التوجيهي والاجراءات التنظيمية علاوة على القرارات السابقة بإلغاء بعض الفروع وإعادة الهيكلة الشاملة لفروع الامتحان. من المنتظر أن تطبق قرارات أخرى أهمها طريقة احتساب العلامات والمعدلات وفتح المجال أمام الطلبة للتقدم لعدد مفتوح من الدورات.
في العام القادم سوف يتقدم الطلبة الذين ولدوا في السنة الأولى من القرن الجديد والألفية الجديدة لامتحان الثانوية، تصاحب هذا الحدث إصلاحات من المتوقع أن تكون الأهم، حيث سوف يطبق نظام مجموع العلامات 1400 علامة بدلا من نظام المعدل التقليدي مع تقسيم المواد الدراسية إلى حزم يختار الطالب الحزمة الملائمة له حسب ما يخططه للمسار التعليمي الذي يرغب فيه، وبالتالي فإن الإصلاحات المرجوة من المفترض أن تحقق ثلاثة أهداف أساسية.
كفاءة هذا الامتحان أن يعكس تحصيل الطالب كما هو في الواقع بدون أي تزييف أو تجميل، وأن يعكس الفعالية في تلبية احتياجات الاقتصاد الوطني، وأن يسهم في سد الفجوات الكبيرة من منظور الموارد البشرية، والأمر الأهم تحرير الناس والأجيال الجديدة من الخوف ومن رهاب التوجيهي.الغد