ما يجري في غزة مريح في صورة من صوره
بلال حسن التل
06-01-2009 04:13 PM
رغم دمويته وبشاعته غير المستغربة ، لأنها تأتي من عدو خبرناه على مدار عقود ، لا يتقن شيئاً أكثر من اتقانه للولوغ بدماء الأطفال والنساء والشيوخ . فتاريخ هذا العدو مترع بالجرائم والمجازر . وبما يفعله اليوم في غزة فإن هذا العدو متساوق مع تاريخه ومنسجم مع نفسه. أما مصدر الراحة لهذا الذي يجري في غزة ، فلأسباب كثيرة منها أردني، يتمثل بأننا في الأردن أثبتنا رسوخ عروبتنا وتلاحمنا مع إخوتنا في فلسطين . وأكدنا من جديد أن الدم واحد. وأن المصير واحد . وأن قوة في الأرض لن تفصلنا عن فلسطين وبيت المقدس . فنحن أكناف بيت المقدس . ونحن الأرض التي باركها الله من حول المسجد الأقصى . وزاد من روعة الصورة التي رسمها الأردنيون ، وهم يلتفون حول قطاع العزة أنها جاءت متناسقة متناغمة . شارك فيها الأردنيون قيادة وشعباً . وهذا هو الأردن الذي عرفناه ، وأحببناه ، واعترضنا كثيراً ، وتألمنا أكثر . عندما حاول البعض أن يخلعه من جذره الإسلامي ، وانتمائه العربي ، وأمته التي تشكل عمقه الاستراتيجي . وهذا الذي جرى في الأردن منذ بدأ العدوان على غزة برهن مرة أخرى سقوط كل الرهانات على إمكانية إخراج الأردن من ثوبه العربي الإسلامي . ومن ثم إخراج الأردنيين من معركة المصير من أجل فلسطين والقدس.والمشهد الذي شهدته مدن وقرى وبوادي الأردن هو المشهد الذي اعتدنا عليه في الأردن الذي نعرفه ونحبه وندافع عنه ونصر على بقائه كتعبير عن التحام الأردنيين مع أمتهم ومع قضيتهم المركزية في فلسطين.
يزيد من أهمية هذا المشهد الذي رسمه الأردنيون نصرة لغزة ، أنه جاء في اللحظة التي انقسمت فيها الأمة إلى فسطاطين. الأول فسطاط الهزيمة الذي رفع الرايات الحمراء لترشد طائرات العدو . وللرايات الحمراء في تاريخ العرب دلالات مخزية. فقد كان العرب يجبرون بائعات الهوى على رفع هذه الرايات على بيوتهن، تمييزاً لهن عن سائر بيوت الناس . لذلك ارتبطت الرايات الحمراء في تاريخنا بالخيانة الجسدية .التي تولد سائر الخيانات الأخرى . فالذي يخون جسده وعرضه لا يتردد في ممارسة أي نوع من أنواع الخيانات.
إذا كانت الرايات الحمراء من علامات فسطاط الخيانة . فإن من علامات هذه الفسطاط أيضاً البون الشاسع بين مواقف الحكام ، وموقف شعبهم وأمتهم . فلا أحد من جماهير الأمة يرضى بهذا التواطؤ الذي يمارسه بعض الحكام ضد غزة . بعد أن تواطأ هؤلاء الحكام على فلسطين كلها . وهاهم أبناء الأمة كلها من طنجة إلى جاكرتا يسدون عين الشمس ، وهم يخرجون إلى الشوارع يهتفون نصرة لغزة . ولعنة على من يعاديها . سواء كان هذا العدو ناطقاً بالعبرية أو العربية . فكلاهما عدو في نظر الجماهير التي آن الأوان لكي تخرجها قياداتها من حالة ردة الفعل التي تأخذ شكل المظاهرات والمسيرات ، إلى حالة الفعل الإيجابي . عبر تأطير هذه الجماهير ، لتواصل عملها اليومي ، من أجل معركة التحرير، وتحقيق الانتصار النهائي على العدو الإسرائيلي . فجماهير الأمة قادرة على هذا العمل اليومي . عبر إصرارها على مقاطعة العدو . والعدو هنا ليس إسرائيل فقط . بل ومن يساند إسرائيل ابتداء من الولايات المتحدة الأمريكية وصولاً إلى أصغر متواطىء ينطق بالعربية. والمقاطعة التي نريدها يجب أن تكون شاملة . ابتداء من السلع وصولاً إلى القيم والمفاهيم . مروراً بالمقاطعة الاجتماعية للمتواطئين . ولنا في رسول الله وبما فعله بالخوالف أسوة حسنة . فقد أمر رسول الله الناس بمقاطعة أولئك الخوالف ، فقاطعتهم حتى نساؤهم مع سائر المسلمين. حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت . رغم أن فعلة الخوالف لا ترتقي إلى بشاعة ما يفعله المتواطئون ، الذين يقدمون لإسرائيل الدعم المادي والمعنوي ويمدونها بالمعلومات ويكسبون لها الوقت.
وحتى نتمكن من تأطير الجماهير ، ونقلها من مرحلة ردة الفعل إلى مرحلة الفعل الإيجابي . فإن علينا أن نعيد النظر في الكثير من عوامل التأثير في هذه الجماهير . وفي طليعتها المؤثرات الثقافية . فقد آن الأوان كي تكون ثقافة المقاومة هي السيدة والسائدة في بلادنا ، لشحن الجماهير وتربيتها.
اللواء