الذّل يا صديقتي .. كتمانه قهرٌ .. وإفشاؤه مهانة
لارا مصطفى صالح
11-08-2017 02:33 AM
دقّت ساعة الحائط دقّات مخنوقة، وخيّم صمتٌ تخالُ معه أن ساكني الشقة أشباحٌ. لكن صليل علاقة المفاتيح التي رماها بها كان أكثر حضوراً.
- أنتِ؛ لم تكوني يوماً امرأة!
- وأنتٓ لم تكن سوى رجل من الرّعاع!
هكذا كان الحال دائماً بينهما. يتفوَّه هو بكلامٍ مهين، وتردّ هي بكلامٍ حاقد. زوجها كان معروفاً بين الجيران بسلوكه الفظّ، وعنفه الموصول بالكره. لم يتمّ الخامسة والثّلاثين بعد، لكنه يبدو أكبر سنّاً بسبب جسمه الممتلئ، وجنبات وجهه المرتخية. رصيده النسائي مزدحم، شرهٌ ولم تكن هي كفيلة بسدّ جوعه!
بمجهود مضنٍ، وكما لو كان جسمها عصياً عن الحركة، قامت وأشعلت النور ليلقي بظله الكئيب على جدران البيت العارية كقلوب أهله. ووسط هذا الصقيع أطلّ ولدها بوجهه الملائكي يراقب ما كان يدور بينهما، كان مضطرباً وحانقاً في نفس الوقت، والدمع ينزلق من عينيه ويموت على الفور. صرخ الولد صرخة مرتعدة "أخرج من حياتنا يا ظالم"! ليجرّ فيما بعد على نفسه الاهانة هو أيضاً، فقد انهال عليه والده بالضرب حتى كاد يشهق أنفاسه.
في هذه الأثناء، رنّ جرس الباب رنةً خجولة. وكمذنبٍ يحاول إخفاء جريمته أمرها هي والولد بالدخول الى غرفة النوم، وتوجه إلى الباب. كانت صديقتها المقيمة في الشقة المقابلة. ألن تكفّ عن إيذائهما؟ قالت بقهر. ردّ هو بوقاحة، هذا ليس من شأنك، وأغلق الباب.
دقائق معدوداتٍ مضت، بعد أن هددها بعدم الحديث مع أحد وإلا ستفقد ولدها، واستل مفاتيحه وغادر البيت.
شواظ من أحزان ملتهبة اكتست ملامحهما وندوب في أرواحهما لا تبرح ولا تستريح. أمضيا الليل هي وولدها يجرجران أحلامهما المرهقة. أنينٌ أخرس يتحول الى نحيب، وأصوات مزدحمة أغرقتهما في لجتها.
- ألن تتكلمي؟ صرخت صديقتها في اليوم التالي. يتوجب عليك إبلاغ إخوتك أو الشرطة!
- أجابت: الذّل يا صديقتي، كتمانه قهرٌ، وإفشاؤه مهانة، ونسيانه ضربٌ من ضروب المستحيل! لكني أؤثر القهر على أن أفقد ولدي الوحيد!
- إلى متى ستظلين حبيسة تلك النفس المفزوعة؟ قالت صديقتها وهمت بالخروج، بيد أن شعورا بتأنيب الضمير تملكها. التفتت إليها وقالت: من المؤلم أنك تعين مرارة قدرك؛ لكن الأشد إيلاماً أن تمضي قدما حتى النهاية بملء بؤسك. لا تخاطري بإبقاء الأمر طَي الكتمان، ولا تسمحي لتلك العادات والتقاليد المغلفة بالحيطة والحذر والخوف أن تئِد كرامته. فكرامته تعنيك وحدك ولا أحد سواك!