ليس جديداً أن يتعرّض النائب الفلسطيني في الكنيست الاسرائيلي الدكتور عزمي بشارة للمضايقات ، وحتى التهديد بالسجن ، فكلّ زملائه النواب يتعرّضون للأمر نفسه ، ومنذ دخول أوّل عربي إلى الكنيست ، وقد تكون المضايقات التي يتعرّض لها بشارة أكبر ، وذلك مفهوم لأنّ موقفه أوضح ، وأكثر حدّة ، وحضوره في الحياة السياسية أوسع وأكثر تأثيراً.
أمّا الجديد ففي الأخبار التي تؤكد أنّه لن يعود إلى فلسطين المحتلة ، بعد أن يستقيل من الكنيست ، وهنا يحقّ لنا أن نتدخّل ونعطي رأينا ، فعرب الثمانية وأربعين مهددون دائماً بالترانسفير ، ولم تمرّ علينا سنة دون أن نستمع إلى أخبار عن مخططات إسرائيلية لتفريغ البلاد تدريجياً من أهلها ، بالاتفاق النهائي ، أو بالقوة ، وخروج بشارة من هناك مؤشر سلبي بهذا الإتجاه ، ويعني سياسياً أنّ أحد أهمّ ممثليهم ليس مصراً على البقاء.
وهناك تصريحات رسمية لغير رئيس حكومة إسرائيلية يؤكدون فيها على يهودية الدولة الإسرائيلية ، وهذا يعني أنّه ليس هناك مكان فيها لغير اليهود ، وإذا كان التهديد الديمغرافي بات أكثر إلحاحاً على إسرائيل ، وإذا كنّا نعيش في زمن لا يعير فيه المؤثرون اهتماماً لتداعيات عمليات التهجير الجماعي ، والتغييرات على الأرض ، وحدث ذلك في غير مكان ، وما زال يحدث حتى هذه اللحظة التي نكتب فيها ، فإنّ خروج الدكتور عزمي يساهم في إضفاء شرعية غير مقصودة لمثل تلك التهجيرات.
قدر عرب الثمانية وأربعين أن يكونوا في بوز المدفع ، وقدر واحد مثل عزمي بشارة أن يظلّ قائداً بين ناسه وشعبه ، أمّا إذا حصل العكس فستكون خسارة حقيقية للقضية الفلسطينية التاريخية ، وليعذرنا صاحبنا حين نقول له: في الداخل أنت عزمي الذي نعرفه ، معدناً ثميناً يوزن بالخردلة ، أمّا في الخارج فستكون واحداً من ملايين المنظّرين الذين لا ينطلقون من واقع مكرّس على الأرض.