تحليل واقعي موجز في نتائج الثانوية العامة
فيصل تايه
10-08-2017 01:16 PM
كان يوماً مبارك لأبنائنا الطلبة الأعزاء هذا اليوم، نقشوه بالجدِّ والاجتهاد، وزيّنوه بالفرح والسعادة، فكان عرساً لهم ولعائلاتهم، واستحقاقاً طيباً لمثابرتهم، فلنبارك لهم من القلب نجاحهم في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة بعد حصاد زرع طويل وشاق في أول خطواتهم نحو مستقبلهم المشرق، هذا الامتحان الذي أصرت وزارة التربية والتعليم أن تجعل منه امتحاناً وطنياً سيادياً، تكافح من اجل هيبته ورُقِيِّه وتطويرِه، ليكونَ ليسَ نهايةَ مرحلةٍ، أو بوابة للمجهول، بل ضماناً للمستقبل.
فبعد مخاض مرهق انفض المولد الذي يتكرر مشهده في كل دورة امتحانيه ، في الوقت الذي استنفرت فيه وزارة التربية والتعليم كل إمكاناتها في إدارة الامتحانات والاختبارات لتتخذ القرارات الصائبة في الطريق الصحيح في خطوات جادة سعت من خلالها إلى إتاحة الوقت الكافي للمراجعة والتدقيق في النتائج حتى خرجت بالصورة الميسرة والمؤملة دونما إرباك ، بعد تجاوز كل الظروف التي حملت كل التحديات ، إلا أن ذلك كله زال أمام إصرار وعزيمة الشرفاء من أبناء تكويننا التربوي العتيد ، وفي هذا دعوني أسجل شكري وتقديري لمعالي وزير التربية والتعليم والأمناء العامين وللمساعي الحثيثة والمباركة لطواقم المراقبة والمتابعة والتصحيح والفرز والرصد والاستخراج وكل من ساهم في إنجاح هذا العمل الوطني ، من مدراء تربيه ومدراء للإدارات وخاصة عميد إدارة الامتحانات والاختبارات وزملائه الكرام .
إن نتائج هذه الدورة وبما تحقق من انجازات لطلبتنا الأعزاء في مختلف الفروع يوحي بأن العملية التعليمية التعلمية للمرحلة الثانوية في تحسن مستمر ، فنسب النجاح خاصة في الفرع العلمي كانت بدرجة منطقيه ، وما تشير إليه النتائج أن نسبه الذين حصلوا على معدلات مرتفعة هي نسبة معقولة ، مع سلامة الإجراءات التي اتخذتها الوزارة وهذا يؤكد أن النجاح والتفوق بات من حظ المجتهدين من الطلبة على اختلاف مستوياتهم العلمية ، لإحساسهم بالمسؤولية وعزمهم وتصميمهم على بلوغ أهدافهم تحقيقا لطموحاتهم ، مع إيقانهمِ الراسخ أن شهادة الدراسة الثانوية العامة هي المفصل في حياتهم والمحدد لمصيرهم ، حيث تأتي في مرحلة حساسة وحرجة من حياتهم التكوينية ، وغالباً ما يكون المتفوق من استطاع التحكم بذاته وظروفه وابتعد عن المغريات والملهيات واختار أقرانه بعناية فائقة ..
ان نتيجة امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة لا تعكس مستوى أداء الطالب وقدراته فقط ، بل هي مرآة لقدرات وزارة التربية والتعليم والمدارس والمعلمين وتقييم لقرارات المسؤولين عن العملية التعليمية ابتداء من أعلى سلطة تربوية وانتهاء بالمعلم في صفه ، فالحديث عن تقييم جودة التعليم هو حديث عن اقتصاد المستقبل ، وهذا ما يجعل مسألة التعليم اليوم مصيرية ، ولذلك فنحن اليوم بحاجة إلى قراءة نتائج الامتحان وتحليلها لتقييم مدارسنا ، لتقييم مناهجنا ، لتقييم أدائنا كمعلمين وتربويين ، كما أننا بحاجة أن يكون هذا التقييم دوري مستمر ، وبداية لإعادة صياغة أهداف التعليم بصورة حضارية حديثة ومتطورة خاصة للفروع المهنية وهذا يعكس مدى أهمية الإجراءات التي تتخذها وزارة التربية والتعليم في مرحلة ما بعد الصف العاشر وصولا الى مخرج نوعي يعرف ماذا يريد بالضبط في مستقبله .
علينا الالتفات إلى منظومة الثانوية العامة الامتحانية بصورتها الحالية ومراجعتها والتحدث عن تعظيم الانجازات والثناء على الجهود الطيبة المباركة التي أعطتها الهيبة والمصداقية والعدل والمساواة وفي نفس الوقت تشخيص الجوانب التي تحتاج الى مراجعة ، وبيان نقاط الضعف ، بحيث يمكن التعاطي معها بجدية ومسؤولية ، خاصة عند التريث في مراجعة عناصرها واليات عملها ، والعقبات التي ما زالت تعترضها ، كما ونريد الحديث عن الاتجاهات السلبية عند بعض من طلبتنا والتي توجههم نحو البحث عن المعيقات والممارسات والأساليب الدراسية الخاطئة ، كما ونريد تعرية مواقف البعض ومحاولات الكثيرين المتذمرين من اجل زج وزارة التربية والتعليم في إرباك متعمد أمام المجتمع وبيان المصالح الضيقة التي تقف وراء ذلك ؟ لتكون مصلحة الوطن وأبنائنا الطلبة هي الأولى، بل ومن الضرورة بمكان الكشف عن الأيدي الملوثة التي تحاول المساس بمنظومة تربوية عتيدة عمرها من عمر الأردن.
في نفس الوقت وعند قراءة نتائج الثانوية العامة قراءة متأنية يجب ان نتحدث عن أسباب تدني نسب تحصيل الكثير من طلبتنا في بعض المواد الدراسية وخاصة في بعض الفروع ، واعادة النظر في آليات قبول الطلبة للتقدم لامتحان الثانوية المنزلي ( الدراسة الخاصة ) وكذلك أسباب إخفاق طلاب بعض المدارس بشكل جماعي ؟ وما هي الأسباب الحقيقية وراء تلك الإخفاقات ، وهذا ما يؤكد ضرورة الحاجة إلى قواعد بنائية تنهض بالعملية التعليمية برمتها إلى ركب الحداثة والتطور وكما ارادها سيد البلاد وتحدث عنها معالي وزير التربية بجدية مؤخراً .
من هنا لا بد من دعوة صريحة ، ندعو من خلالها إلى تأكيد إيجاد محطات تقيميه بين المراحل الدراسية المختلفة ومراجعة عامة للمرحلة السابقة والتي قطعنا بها شوطاُ جيداُ ، مع التأكيد على توفير كوادر تعليمية مدربة قادرة على التفاعل مع جميع أركان مجتمع طلاب الثانوية العامة وتحفيزهم ومكافأتهم ، وكذلك تحديد المناهج الدراسية المفاهيمية وبيداغوجيا التعليم ومراجعة أدوات التقييم التقليدية المختلفة وتقصي المناهج الخفية المكتوبة ( مناهج الظل ) التي تعتمدها المراكز الثقافية كبدائل قوية للمناهج الرسمية..
وأخيراً فإنني أدعو معالي وزير التربية والتعليم د. عمر الرزار إلى تكريم المدارس المتميزة وتحفيز كوادرها ، فتلك خطوة رائدة ولفته كريمة تشجع على المنافسة الشريفة التي تحتاجها مدارسنا تقديراُ للمعلمات والمعلمين المتميزات والمتميزين ، ودعم الإبداع والتميز الإيجابي ، وتقدير العطاء وذلك التزام مؤسسي من الوزارة يستحق الالتفات إليه بجدية .
دعوني أبارك مرة أخرى لطلبتنا الأعزاء الذين فرحوا بالنجاح وأدعو للذين لم يحالفهم الحظ مراجعة حساباتهم مع أنفسهم وتخطي هذه المرحلة بمزيد من العزم والإصرار .
كل الحب إلى كل يد مخلصة تأبى إلا العطاء إرضاءً لله عز وجل ، وخدمة لتراب هذا البلد الأشم وأهلة المخلصين الطيبين
في ظل الراية الهاشمية الخفاقة .
أعاننا الله جميعا على تحمل المسؤولية