احيل مدير المخابرات السابق الفريق محمد الذهبي على التقاعد بناء على طلبه بعد ثلاث سنوات من العمل في موقعه ، ونقرأ في اسبوعية المجد انه كان بامكانه ان يصبح عضوا في مجلس الاعيان ، الا انه فضل الراحة والاستراحة ، وكانت ذروة فترة خدمته ، فتح صفحة جديدة مع الاسلاميين في الاردن ، وحركة حماس ، كانت احدى نتائجها ، عدم اضطرار الاسلاميين في الاردن ، للانفجار ، في توقيت مذبحة غزة ، بعد ان عادت اليهم بعض مساحتهم ، في وقت سابق ، فجاء تعبيرهم راشدا ومنطقيا ، خلال الايام القليلة الماضية.
في سدة جهاز المخابرات ، اليوم ، شخصية جديدة ، فاللواء محمد الرقاد ، تسلم مهماته ، في توقيت حساس جدا ، ولعل السؤال اليوم ، ماذا سيكون موقف الدولة من الحركة الاسلامية ، والحوار الذي انفتح باتجاه حركة حماس ، هل ستستمر العلاقات والاتصالات ، ام انها سوف تتراجع ، هل الانفتاح باتجاه الاسلاميين كان استراتيجية سياسية امنية في مرحلة محددة فقط ، ام انه توجه استراتيجي كامل للدولة ، ولمن يقرر سياساتها وتوجهها ، هل سنشهد خلال الفترة المقبلة ، انقطاعا ، في الحوار على المستويين الداخلي والاقليمي ، ام استمرارا لهذا الحوار ، ولماذا لم تحدث اتصالات مع حماس خلال الايام القليلة الماضية ، بعد ان تأسست ارضية تمكن الاردن ، من الحديث مع التنظيم في هذا التوقيت ولاعتبارات عديدة.
لا مصلحة للاردن ، في كل الاحوال في انقطاع الاتصالات والعلاقات مع الحركة الاسلامية ، فهذه الحركة هي التي قادت الجماهير ، في بعض الحالات ، لتعبر عن رد فعل الشارع الاردني ، وهذه الحركة تصرفت بشكل راشد ، في الاغلب ، باستثناء تعبير جارح لاحدهم ، اطلقه ، ولم تقف الدولة عنده ، ليس لضعف فيها ، وانما لمعرفتها ان انفلات الاعصاب يعمي البصر والبصيرة ، في بعض الحالات ، ولا احد يعرف على وجه الخصوص ، ما الذي ستؤول اليه معركة غزة ، رغم التفوق العسكري لاسرائيل ، الا ان الجميع يعرف ان حماس لن تنتهي في القطاع ، بالاضافة الى ان اسرائيل ذاتها قد لا تريد انهاء حماس كليا ، لانها تريدها ان تبقى عقدة في وجه سلطة محمود عباس ، مفيدة في عرقلة حل الدولة الفلسطينية ، وفي تحجج اسرائيل بوجود ارهاب ضدها ، وتريدها ان تبقى كذلك حتى يبقى الصف الفلسطيني غارقا في الخلافات والمحاسبات.
من المصلحة اذا ان يتم طي ملفات كثيرة مع الحركة الاسلامية في الاردن ، وابرز ذلك ملف جمعية المركز الاسلامي الخيرية ، واعادة الجمعية الى "الاخوان المسلمين" في ظل مصاعب اقتصادية مقبلة على الطريق تجعل الجمعية مهددة في مواردها ، ومن المصلحة ان تبقى هناك علاقة متوسطة مع الحركة الاسلامية ، وقد لا تكون بذات الشكل القديم المنفتح ، ولكنها لا يجوز ان تقوم على الابعاد والاقصاء ، الكاملين ، ففي مثل توقيت الحرب على غزة ، يقرأ المحللون والاستراتيجيون كيف اثمرت علاقة نصف منفتحة على الاسلاميين ، بصيانة ردود فعل الحركة في الشارع الاردني ، التي لم تجد نفسها امام ثأر في الساحة المحلية لاي سبب كان.
من يدفعون باتجاه القطيعة مع الحركة الاسلامية ، يدفعون باتجاه سحب الحلفاء من الشارع ، حتى ضمن صيغ متفق على بعض ما فيها ، ومن يدفعون باتجاه القطيعة وتحجيم الحركة الاسلامية ، هذه الايام ، يريدون ان يتقدم كثيرون من هذا الفراغ السياسي ، في ظروف خطيرة ، مؤهلة للتكرر ، وقد نشاهد غدا ، في غياب الحركة الاسلامية ، بدلاء على قدر عال من التطرف ومناهضة الدولة ، وربما الرغبة بتفكيكها ، ما دامت الحركة الام قد غابت ، او تم تغييبها ، خصوصا ، ان هناك اليوم ، من يريد ان تعود الدولة الى مرحلة القطيعة الكاملة مع الحركة ، التي كان لها دور ايجابي في ظل الاحداث الاخيرة ، على قاعدة ضبط الجماهير ، وعقلنتها ، في توقيت يتفلت فيه الجهلة من كل رابط ، والعلاقة مع الحركة الاسلامية ، لها جوانب مهمة جدا ، دون ان تكون علاقة وظيفية ، لها دور محدد ، ولربما نريد اجابات عن كثير من الاسئلة التي يتم طرحها اليوم ، حول العلاقة مع الاسلاميين ، ولعل الاجابة المفترضة هي ان العلاقة معهم والتي تحسنت خلال الشهور الماضية ، كانت علاقة اتفقت عليها الدولة ، ولم تكن مجرد مرحلة ، وهو ما ستثبته الايام ، او تثبت عكسه.
جبهتنا الداخلية ، بكل ما فيها ، امر مقدس ، وحين ينفجر العالم من حولنا ، لا نجد سوى تماسكنا الداخلي.
m.tair@addustour.com.jo