الضمان الاجتماعي بين تحديات الحاضر وأمل المستقبل
السفير الدكتور موفق العجلوني
10-08-2017 10:11 AM
عمون-عقدت مؤسسة الضمان الاجتماعي يوم الاحد الموافق ٧/٨/٢٠١٧ جلسة حوارية بعنوان: "بكير على تقاعدك " ترأسها عطوفة السيدة ناديا الروابدة والتي تستحق الشكر والتقدير على المبادرة بعقد هذه الجلسة الحوارية الهامة، وادار هذه الجلسة مدير المركز الاعلامي السيد موسى الصبيحي. وتم تقديم اربعة اوراق شملت المحاور التالية:
• الاثار الاقتصادية والاجتماعية للتقاعد المبكر، قدمها معالي الدكتور منذ الشرع.
• أثر التقاعد المبكر على المرأة العاملة، قدمتها معالي السيدة أسمى خضر.
• أثر التقاعد المبكر على القوى العاملة، قدمها السيد حسام عايش.
• عرض عن التقاعد المبكر، قدمها السيد محمود المعايطة مدير البحوث و الدراسات في مؤسسة الضمان الاجتماعي.
تبعه ذلك حوار صريح دار حول التقاعد المبكر إيجابيات و سلبياته و أثره على المؤمن عليه و على التنمية و الاقتصاد الاردني و مستقبل مؤسسة الضمان الاجتماعي في ضوء ازدياد الاقبال على التقاعد المبكر.
في استعراض المحاور التي تناولها السيدات و السادة المحاضرون الكرام ، اكدوا جميعاً على النتائج الخطيرة المترتبة على التقاعد المبكر على المؤمن عليه و افراد عائلته اولاً و على التنمية و الاقتصاد الاردني بشكل عام و سوق العمل و خروج الكفاءات المؤهلة و زيادة النزيف المالي من صندوق الضمان الاجتماعي لدفع رواتب المتقاعدين مبكرا ، و انحسار دفعات اشتراكات المؤمن عليهم الحاصلين على التقاعد المبكر ، اضافة الى حدوث خلل في ميزان المدفوعات لصالح الضمان الاجتماعي و انخفاض مستوى دخل الفرد الذي سينعكس سلبياً على كافة افراد العائلة و على الوضع الاقتصادي الاردني بشكل عام .
بالرجوع الى قانون الضمان الاجتماع لسنة ٢٠١٤ و الانظمة التأمينية الصادرة بموجبه و تعديلاته - و الذي كان لي شرف العمل في مؤسسة الضمان الاجتماعي في بدايات عهده خلال الفترة من ١/١/١٩٨١ -٢٠/٦/١٩٨٢قبيل التحاقي بالعمل الدبلوماسي ، حيث القيت اكثر من ٣٠٠ محاضرة و ندوة في كافة أنحاء المملكة حول مفهوم الضمان الاجتماعي و الامتيازات التأمينية التي يمنحها للمؤمن عليهم وأثره على الاقتصاد الاردني بشكل عام ( وما زلت اعتبر نفسي سفيـر الضمان ) - نجد ان الفكرة الرئيسية التي قام عليها الضمان الاجتماعي هي توفير الامان الاجتماعي و الاقتصادي للناس ، و هذه الفكرة تتناقض كلياً مع مفهوم التقاعد المبكر ، اذ ان الهدف الرئيسي هو تأمين المشتركين في الضمان براتب تقاعدي دائم ضد العجز و الشيخوخة و الوفاه و ضد اصابات العمل و أمراض المهنة ، و ذلك في اطار تكافلي شمولي يراعي اقصى درجات العدالة الاجتماعية مع الاخذ بعين الاعتبار ان يجد المؤمن عليه عند شيخوخته راتباً تقاعدياً مجزياً ، لا راتب تقاعد مبكر مبتور لا يغني و لا يسمن من جوع ، مما يزيد الوضع المعيشي للمؤمن عليه سوءا ، و ينعكس بأثار خطيرة على الاقتصاد الوطني بشكل خاص .
و اذا نظرنا الى اهداف الضمان الاجتماعي المتمثلة بـ:
تأمين الحاجات الاساسية للمؤمن عليه و لأفراد اسرته من خلال توفير دخل له.
الاسهام في تحقيق الاستقرار الوظيفي للإنسان كحافز للعمل.
بناء علاقة ايجابية بين العامل وصاحب العمل
تعميق قيم التكافل الاجتماعي بين ابنا المجتمع الواحد و توزيع الدخل بين الاجيال.
الاسهام في تقليص جيوب الفقر بين المجتمع.
الاسهام في التنمية الاقتصادية و الصحية.
و بالتالي نلاحظ هنا أن التقاعد المبكر يتناقض كلياً مع هذه الاهداف التي جاء بها المشرع بقصد الاسهام في التنمية الشاملة اقتصاديا و اجتماعياً و صحياً، علاوة على مفهوم الامن الشامل تيمناً في قوله تعالى: " الذي أطعمهم من جوع و أمنهم من خوف ".
من هنا لا بد ان نعي جيدا و كافة المشتركين في الضمان الاجتماعي مفهوم الضمان الاجتماعي والذي يتلخص بأنه: مجموعة من التأمينات الاجتماعية التي يتمتع بها المؤمن عليه و المنصوص عليها في القوانين و التشريعات التي تتضمن الالتزامات و الحقوق ما بين مؤسسة الضمان الاجتماعي و المؤمن عليهم الخاضعين لأحكام قانون الضمان الاجتماعي. و بالتالي هو ضمان تأميني تكافلي شامل يهدف حماية الاشخاص اجتماعياً و اقتصادياً ضد العجز و الشيخوخة و الوفاة و اصابات العمل و امراض المهنة و التعطل عن العمل (البطالة) و التأمين الصحي و الاعانات العائلية، بحيث يكون تطبيق هذه التأمينات تدريجياً حسب امكانات مؤسسة الضمان الاجتماعي و خططها الادارية و الاستراتيجية.
بنفس الوقت لا بدّ ان نفهم أيضاً ما هي رسالة و رؤية و أهداف الضمان، و التي تتلخص: بأن الضمان الاجتماعي هو نظام تكافلي اجتماعي قائم على الشراكة بين المؤسسة و المؤمن عليهم، و ينسجم في تحقيق الامن الاجتماعي و الرخاء الاقتصادي و دفع عجلة التنمية في المملكة.
بنفس الوقت يتسم الضمان الاجتماعي بقيم راقية تتلخص بـ: العدالة و المساواة و النزاهة و الشفافية و العمل بروح الفريق الواحد و تقديم الخدمات التأمينية الاجتماعية المميزة و كذلك المبادرة و الابداع.
في ضوء ما تقدم، لا بد ان يكون لدينا فهم شامل وواضح للأهداف والاغراض السامية للضمان الاجتماعي، والتي بالدرجة الاولى تعني المؤمن عليه، المواطن، و مستقبله، مستقبل افراد عائلته بهدف ان يعيشوا حياة كريمة. و بالتالي فالضمان الاجتماعي هو أداة بناء و تنمية تصب بشكل مباشر في الامن الاجتماعي و الامن الاقتصادي و يساهم مساهمة فعالة في عجلة التقدم في المملكة بشكل شمولي.
و من هنا فالهدف الرئيسي ان لا يخرج المؤمن عليه براتب تقاعد مبكر، بل يخرج براتب تقاعد طبيعي و يكون هذا الراتب مجزياً. و لا قدر الله في حالة العجز او الوفاة او الشيخوخة يستفيد الابناء و البنات، و بالتالي يكون الضمان الاجتماعي قد حافظ على مستوى معيشة كريمة للمؤمن عليه و افراد عائلته.
و من هنا ما قصده المشرع من طلب التقاعد المبكر، هو حالة استثنائية للمؤمن عليهم الذين يعملون في مهن خطيره، تؤثر هذه المهن على قدراتهم الجسدية و عمرهم الوظيفي، الامر الذي راعى فيه المشرع حالة هؤلاء الفئة من المؤمن عليهم. وان لا يستغل هذا الجانب لحالات العمل الشاق او المرهق او العمل لساعات طويلة او الذي يحتاج الى مهارات معينة، و هذه القضايا ليست من مسؤولية الضمات الاجتماعي و لكن هي من مسؤولية اصحاب العمل من حيث تحسين بيئة العمل و الحياة المعيشية للعامل و الموظف سواء كان ذلك قطاع عام ام قطاع خاص. أما التقاعد البكر فقد جاء به المشرع لمعالجة المؤمن عليهم العاملين في بيئات العمل الخطرة التي يعمل بها المؤمن عليه و التي نص عليها القانون.
أما المعضلة الكبيرة التي يواجها الان الضمان الاجتماعي فهي وجود مئات الالاف الخاضعين للتقاعد المبكر، و هذا امر يشكل خطورة على صندوق الضمان الاجتماعي، و يحدث خللاً في ميزان الاشتراكات و المدفوعات، الامر الذي لا قدر الله على مر السنوات القادمة، كما اشارت العديد من الدراسات الابتكارية ينذر بإفلاس الضمان الاجتماعي، هذا من ناحية، و الناحية الاكثر خطورة، سيكون ذلك بمثابة نكسة على الاقتصاد الوطني لا قدر الله.
و بالرغم من الجهود المضنية لمؤسسة الضمان الاجتماعي بحملاتها الاعلامية التوعوية و التنويرية على طول و عرض ساحة الوطن، الا أن الامر يحتاج الى حملة وطنية شاملة في الداخل و الخارج حيث يوجد اردنيون مقيمون، العاملون او ربات بيوت او مشتركون اختيارياً في الضمان الاجتماعي، يشارك فيها كافة الاجهزة المعنية و بعثاتنا الاردنية الدبلوماسية و سفاراتنا في الخارج و رؤساء الجمعيات و الجاليات الاردنية خاصة في دول مجلس تعاون الخليج العربي. لأنه في النهاية هو الضمان الاجتماعي و الاقتصادي الشامل للتقدم و الرقي و الامان للوطن و المواطن. حمى الله الاردن ورزقه من الثمرات آمين.