عدة عناوين تتزاحم على فكرة هذا المقال:
-عصر السرعة( التواصل الاجتماعي الالكتروني )أهو نعمة ام نقمة؟
-تسارع المعرفة هل سيؤدي الى ضحالة الفكر!!
-هل يمكن للفكر الإنساني ان يذهب افقيا و عاموديا في نفس الوقت؟
-تسارع الأحداث و قصر عمر الحضارات.
لو نظرت للفكرة بعمق لوجدت ان جميع هذه العناوين مترابطة ..
دعونا نذهب الى تجربة الامير النائم( شافاه الله) ١١ عاما في غيبوبة قد تبدو طويلة من عمر الانسان ،، لكن ماذا لو استيقظ و سأل سؤالا واحدا : ماذا حدث خلال نومي!!!
هل سيستوعب عقله البشري ان نظام مبارك سقط في مصر ثم انتخب رئيسا شرعيا ثم انقلب عليه العسكر و تدمر اقتصادها و و و ، و سقط بن علي في تونس و سقطت اليمن و سوريا و العراق ، و أصبحت ايران متاخمة لجميع حدود الدول العربية ، و أخذت السعودية تيران و صنافير لتصبح على حدود مشتركة مع الكيان الصهيوني، و صعدت روسيا الى زعامة جديدة في العالم ، و انسحبت بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، و الكثير الكثير من الأحداث التي لا يسعها المقال...
اي تسارع هذا !!
فعلى سبيل المثال بين الماضي و الحاضر : استغرق ابن العلقمي عشرون عاما حتى استطاع ان يُجهز على بغداد و لم يستغرق السيسي سنة واحدة حتى اجهز على مصر المحروسة، و كذلك المالكي في بغداد. وغيره و غيره.
و على صعيد اخر : كنت ستحتاج الى شهر لتوصِل رسالة الى صديق لك في سوريا الشام في حين انك ترسل حدثا كاملا بالصوت و الصورة و الانطباعات الى كل العالم ( قبل ان يرتد إليك طرفك).
عندما استُخدمت وسائل التواصل في ثورة مصر تم إنجاز الثورة بعدة ايّام ( استخدام إيجابي )، و يستطيع اي منا ان يبث شائعة بين الناس ( خصوصا في هذا الموسم) خلال دقائق و دون ان يحرك ساكنا سوى ابهامه الأيمن( استخدام سلبي) .
ندرك ان المعرفة أصبحت متاحة بسهولة فلم نعد نقرأ امهات الكتب من مكتبات العواصم و نقطع اميالا لنستغرق ساعات طوال قبل ان نجد الكتاب المطلوب حتى تبدأ رحلة القراءة ، لكننا ندرك أيضا ان ذات المعلومة التي حصلت عليها اليوم بسهولة لم تخترق جدار الفكر بل بقيت في زحام معلومات يذهب معظمها باتجاهات سطحية لان الغاية من قرائتها لم تكن لإثراء فكرة بل هي معلومة قُرئت على سبيل التسلية ( و لا أعمم) فأهل الفكر في كل العصور.
هلا رجعنا الى صحف الخمسينيات و السبعينيات و الثمانينيات و طالعنا الفكر السياسي و قارنناه بالفكر السياسي و الصحافة الحالية ( حاول بنفسك ان تبحث عنها و احكم بنفسك) .
من هنا قد ادّعي اليوم ان المعرفة السريعة العشوائية و المتعددة تذهب بالعقل افقيا و لكنها لا ترقى بالفكر عاموديا الا ضمن ضوابط، و ربما أكون بهذا قد خالفت قواعد فقهاء الفكر والبحث العلمي حين أقول ان زيادة المعرفة لا تعني تطور الفكر الإنساني ، لا ننكر ان وسائل التواصل الاجتماعي احدثت طفرة في المعرفة لكن ذلك على حساب العمق بلا شك ما لم تكن ضمن ضوابط تمنع تصديق الشائعة و المعلومة المغلوطة و ممارسات الردح الفكري .
نعلم ان المدنية الغربية التي صنعت الشبكة العنكبوتية سبق ان أسست مجتمعات متمدنة لا تهرف بما لا تعرف و ليس لديها نموذج ( ابو العرّيف) الذي اصبح اليوم لدينا في كل حقول الحياة السياسية و الفكرية و الاجتماعية و ليس لديها فن الشتائم المبتكرة، صنعتها لخدمة أهدافها في التنمية و ها نحن نستخدمها كثيرا في تدمير الأجيال حتى اصبح طلاب الصف السابع ( المترك سابقا) لا يجيدون الإملاء العربية..
ليست نظرة متشائمة لكنها دعوة للرقي .
صباح الفكر و الرقي