الانتخابات المحلية في الأردن والصراع بين الكفاءة والوجاهة
أ. د. انيس الخصاونة
09-08-2017 04:59 PM
الأردن على موعد قريب مع انتخابات اللامركزية ومجالس المحافظات والمجالس البلدية، حيث تزداد حدة الحملات الانتخابية بين المرشحين وتزداد معها الاستقطابات والتحشدات وفقا لأسس واعتبارات بعضها يتعلق بكفاءة وجدارة المترشحين وجلها ربما يستند لجوانب الوجاهة والزعامة والطروحات العشائرية والجهوية. وفي حين أن الانتخابات البلدية في معظم دول العالم الديمقراطي تعد مؤشرا مهما على المواقف الشعبية من الحكومات والأحزاب الحاكمة والسياسات الداخلية والخارجية ، فإن الوضع للأسف في الأردن ما زال متخلفا إلى حد بعيد عن هذا الطرح وهذه الاعتبارات.
المستعرض للمترشحين للمواقع المحلية يجد عجبا عجابا ويصدم كثيرا بمؤهلات وطروحات هؤلاء المترشحين، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد بعض المترشحين لرئاسة إحدى أبرز البلديات في المملكة سبق وأن كان نائبا ثم عضوا في مجلس الأعيان ونعتقد بأنه لا يمتلك الحد الأدنى من الكفاءة والقدرة على إدارة بلدية رئيسية من بلديات المملكة تجد أبرز شعارته الانتخابية "الرجال مواقف والتاريخ يشهد" ولا أعلم يشهد على ماذا ، حيث أن هذا المترشح لم ينطق بكلمة واحدة تحت قبة البرلمان لا عندما كان نائبا ولا عندما كان عينا؟ هذا المترشح الذي سبق وأن قام بمنح اسم عشيرته لأكثر من أربعمائة شخص من قبيلة النور (ولا أنتقص من قيمتهم هنا) من أجل الحصول على أصواتهم مما سبب إرباك واختلالات في قيم وأعراف عشيرته وسبب لها إحراجات عديدة دفع الكثيرين للتندر على هذه الفعلة الحمقاء.
الغريب والصادم في الأمر أن يدعي بعض مؤيدي المترشحين بأن مرشحهم مدعوم من رئيس وزراء سابق وأن هذا المترشح سيصبح رئيس بلدية كبرى في المملكة لا محالة، وأن العبرة ليست بعدد الأصوات التي يتحصل عليها المرشح ولكن العبرة بالقوة المهيمنة على الفرز؟ كلام يحتاج إلى توضيح وبيان من الهيئة المستقلة للانتخابات التي تتولى ليل نهار الحديث عن نزاهة الانتخابات وحيادية هذه الهيئة وأن الناخبين هم الذين يمثلون إرادة الشعب ويقررون من يتم إفرازه لتولي المواقع المحلية سواء في مجالس المحافظة أو عضوية أو رئاسة البلديات .
مترشح آخر لرئاسة إحدى البلديات الكبرى يتبع أساليب غريبة ومريبة في حشد الناخبين وزيادة عدد مؤيديه إذ يقوم هذا المترشح بالدخول لبيوت الناس ويقول بأنه "داخل على البيت وأهله" بأن يدعموه أو أن لا يكونوا ضده؟ أليس من الأجدر لهذا المترشح أن يقول لنا ما الذي سيفعله إذا ما تم انتخابه رئيسا للبلدية بدلا من الصور الاستعراضية والفوتوشوب الذي يظهر أي شخص وكأنه من أبطال معارك اليرموك والقادسية ؟أليس من الأجدر أن يبين المترشح مؤهلاته الحقيقية بدلا من التوسل لدى الآخرين واللجوء لرؤساء وزراء سابقين ورؤساء جامعات من أقاربه وأصدقاءه لاستخدام نفوذهم عند أقربائهم وغير أقربائهم لانتخاب هذا المترشح الباحث عن الوجاهة والزعامة بأي ثمن ؟
تجربة الانتخابات المحلية في الأردن تجربة مهمة ورائدة على مستوى المنطقة ، إذ تجسد هذه التجربة معنى وجذور الديمقراطية الحقيقية (Grassroot democracy) وحواضنها الشعبية لدى المواطنين في البوادي والمدن والأرياف الأردنية. هذه التجربة إذ تم إجهاضها عبر تدخلات حكومية أو تلاعب في نواتج انتخابات الناخبين عبر دهاليز الفرز الالكتروني وغير الالكتروني سيكون لذلك تداعيات وأضرار مدمرة على مجمل العملية السياسية والاصلاح السياسي في الأردن ليس أقلها نسف الثقة الشعبية بمؤسسات الدولة الاردنية والتي تمثلها الهيئة المستقلة للانتخابات ووزارة الداخلية والأجهزة التابعة لها.
أخيرا فإننا نعتقد بأن على مؤسسات الدولة أن تنأى بنفسها عن تبني أو دعم أحد المترشحين وأن تسارع إلى تأكيد وقوفها على مسافة واحدة من جميع المرشحين ، وأنها معنية فقط بأن تعتمد الإفرازات الحقيقية التي تتجسد في صناديق الاقتراع. ليس من مصلحة الدولة الأردنية ولا من مصلح الناخبين في شتى مواقعهم وقراهم ومدنهم أن ينتخبوا على أسس جهوية عشائرية، فقد ثبت بأن المترشحين وفقا هذه الاسس الضيقة لا يخدمون إلا أبناءهم وذويهم ومصالح عائلاتهم، بينما استقرت أعراف الديمقراطية أن من يتم انتخابهم على أسس المصلحة العامة والكفاءة والقدرة ينتفع بهم الناس من مختلف الشرائح وينتفع بهم الأقرباء وغير الأقرباء على حد سواء فعل من مدكر؟ ...