اعتصام أعضاء هيئة التدريس
د.رحيل الغرايبة
09-08-2017 02:17 PM
قرأت مادة صحفية مثيرة في الصحف الأردنية ووسائل الإعلام حول اعتصام أعضاء هيئة التدريس في جامعة اليرموك على أبواب الرئاسة من أجل الاحتجاج على بعض القرارات الإدارية والأكاديمية المتعلقة بتعليمات الترقية لعام (2016)، وتعليمات تثبيت أعضاء هيئة التدريب التي تفتقر إلى العدالة كما يقولون، وأمور أخرى تتعلق بالسكن وبعض العلاوات والمسائل المادية.
ما يجلب الانتباه هو اضطرار أعضاء هيئة التدريس للقيام بالاعتصام من أجل توصيل كلمتهم لإدارة الجامعة، ولماذا تكون طرق التواصل بين الأساتذة وإدارة الجامعة مغلقة ومعطلة، ولماذا تكون العلاقة على هذا النحو من الجفاء والتوتر، لأنه من المفترض إتاحة الفرصة لعضو هيئة التدريس لبحث أموره مع مرؤوسيه بطريقة سهلة وميسّرة، بحيث لا يتم التفكير مطلقاً باستخدام وسائل الحشد والجمهرة والاعتصام والاضراب، لأن ذلك لا يتناسب مع مهنة التدريس عموماً، ومهنة التدريس الجامعي خصوصاً.
مهنة التدريس تختلف عن كل المهن الأخرى من حيث روح العمل وجوهره، لأن المسألة لا يمكن قياسها بالالتزام الشكلي بالوقت وحضور المحاضرة، بل يتعدى الأمر فيها إلى أبعاد أخرى غير منظورة تتمثل بالتواصل العقلي والفكري والوجداني، ويدخلها شعور الأبوّة أحياناً نحو الأبناء، ذلك الشعور الذي تتداخل فيه شبكة معقدة من الأحاسيس التي تتناول الشأن الإنساني بإجمال؛ فالأستاذ يشعر بعبء المسؤولية عن عملية البناء المتكامل للجيل، من أجل انتاج القادرين على فهم تخصصاتهم أولاً إلى درجة الإبداع بالإضافة إلى امتلاك القدرات على الاسهام في حماية الأوطان وصناعة النهضة الوطنية الشاملة.
عضو هيئة التدريس في الجامعة يحتل مكانة لا تدانيها مكانة أخرى من حيث الشرف وسموّ المهنة، وخطورة الدور، إلاّ ما يشترك معها في الغاية والهدف، وهذا يقتضي توفير أعلى درجات التكريم والاحترام والتقدير، على جميع الأصعدة المعنوية والمادية، من أجل المحافظة على شرف المهنة وعظمة الدور، وأن لا يكون مضطراً لاستخدام وسائل لا تليق بهذه المكانة.
في الوقت نفسه وعلى الجانب الآخر يطلب من عضو هيئة التدريس أن يقدر مكانته ودوره، وكل من يصبح استاذاً جامعياً عليه أن يدفع ضريبة هذا الوصف ويقدر حساسيته المفرطة في العلاقة مع الطلاب والمؤسسة والمنهاج والمعلومة والمجتمع، لأنه على ثغرة عظيمة في الجدار المجتمعي، حيث أنه ينتمي إلى مجتمع العلم والمعرفة والفكر والثقافة، ويتصل بدائرة العقل وحقل الإبداع والابتكار والتحسين والتطوير التي تعنى بأعظم الموارد وأخطرها وهي المورد البشريّ.
الدور الذي تقوم به إدارة الجامعات في رفع مستوى الأساتذة والمدرسين، وتطوير العملية التدريسية دور مهم، ويجب أن يكون مقدراً ومتفهماً، ولكن دون تعسف ودون إهمال للبيئة المحيطة والامكانات المتوافرة، نحن يجب أن نعترف بأن البنية التحتية لعملية التدريس الجامعي ما زالت دون المستوى المطلوب، من حيث القاعات وتجهيزاتها والمقاعد والوسائل المعاصرة والصوتيات وآلات العرض وغيرها، بالاضافة أن رواتب الأساتذة ما زالت دون الحد الأدنى والمستوى المطلوب الذي يجعلهم في وضع نفسي مريح يساعدهم على زيادة عطائهم غير المنظور والذي يصعب قياسه،كما ان ان بعض المطلوبات في ملف الترقية تصبح شكلية وتعجيزية في ضوء هذه البيئة غير المكتملة .
نعم نحن بحاجة إلى تعاون واسع وتفاهم كبير في بذل الجهد المشترك على الارتقاء بمستوى جامعاتنا وما يطرح فيها من علم ومعرفة من أجل الارتقاء بمستوى الأجيال القادمة القادرة على صناعة المستقبل بكفاءة.
الدستور.