قالت صحيفة ها آرتس الإسرائيلية أن الرأي العام الإسرائيلي "سيوقف الحرب إذا زادت الخسائر"، طبعا المقصود بذلك خسائرهم وليست خسائر العرب، لأنهم أسقطونا من حساباتهم منذ أن تخاذلنا عن نصرة بعضنا البعض ومارسنا اشد أنواع القسوة والتنكيل والبطش ولكن على أبناء جلدتنا، وما نحن إلا أرقام في حاسبتهم تستخدم للضرب والطرح فقط ،وهم قادرين على فعل ذلك حيث المصلحة الإسرائيلية لا يعلوا فوقها مصلحة، ولا يمكن أن تحدها سماء أو ارض، ولنا سابق تجربة معهم في حربهم ضد حزب الله ومقاومته الباسلة في جنوب لبنان، وهذا ليعلم من لا يعلم ويعرف من لا يعرف أن الرأي العام الإسرائيلي قد أصبح أقوى قوة موجودة في العصر الحديث من حيث السيطرة على جميع قرارات ومقررات الأمم المتحدة، وذلك ليس من قوة يشدون بها أزرهم بقدر ما هو ضعف وتخاذل نشحذ به تفرقنا، وفي مقابل ذلك ماذا فعل الرأي العام العربي؟
لاشيء سوى التنديد..التظاهر.. الاعتصام.. رفع الدعوات ..رشق الحجارة ..جمع التبرعات، وهذا أقصى ما يستطيع فعلة، أما لماذا؟ فاعتقد أن الإجابة موجودة لدى اصغر طفل عربي، وفي هذا السياق تحضرني القصة الطريف التالية:
دخل حمار مزرعة رجل، وبدا يأكل من زرعه الذي تعب في حرثه وبذره وسقيه، وتسائل الرجل كيف سيخرج الحمار؟ سؤال محير؟؟؟
أسرع الرجل إلى البيت ، حيث احضر (عدة الشغل)، فالقضية لا تحتمل التأخير، احضر عصا طويلة ومطرقة ومسامير وقطعة كبيرة من الكرتون المقوى، كتب على الكرتون يا حمار أخرج من مزرعتي، ثبت الكرتون بالعصا الطويلة بالمطرقة والمسمار وذهب إلى حيث الحمار يرعى في المزرعة رفع اللوحة عاليا وقف رافعًا اللوحة منذ الصباح الباكر حتى غروب الشمس، ولكن الحمار لم يخرج حار الرجل، ربما لم يفهم الحمار ما كتبتُ على اللوحة، رجع إلى البيت ونام في الصباح التالي صنع عددًا كبيرًا من اللوحات ونادي أولاده وجيرانه واستنفر أهل القرية "يعنى عمل مؤتمر قمة "صف الناس في طوابير يحملون لوحات كثيرة، أخرج يا حمار من المزرعة ،الموت للحمير، يا ويلك يا حمار من راعي الدار، وتحلقوا حول الحقل الذي فيه الحمار وبدءوا يهتفون اخرج يا حمار. اخرج أحسن لك والحمار حمار!! يأكل ولا يهتم بما يحدث حوله، غربت شمس اليوم الثاني وقد تعب الناس من الصراخ والهتاف وبحت أصواتهم، فلما رأوا الحمار غير مبالٍ بهم رجعوا إلى بيوتهم يفكرون في طريقة أخرى، في صباح اليوم الثالث جلس الرجل في بيته يصنع شيئاً آخر خطة جديدة لإخراج الحمار فالزرع أوشك على النهاية خرج الرجل باختراعه الجديد، نموذج مجسم لحمار يشبه إلى حد بعيد الحمار الأصلي ولما جاء إلى حيث الحمار يأكل في المزرعة وأمام نظر الحمار وحشود القرية المنادية بخروج الحمار سكب البنزين على النموذج وأحرقه، فكبّر الحشد، نظر الحمار إلى حيث النار ثم رجع يأكل في المزرعة بلا مبالاة، يا له من حمار عنيد لا يفهم، أرسلوا وفدًا ليتفاوض مع الحمار قالوا له: صاحب المزرعة يريدك أن تخرج وهو صاحب الحق وعليك أن تخرج، الحمار ينظر إليهم ثم يعود للأكل لا يكترث بهم، بعد عدة محاولات أرسل الرجل وسيطاً آخر، قال للحمار: صاحب المزرعة مستعد للتنازل لك عن بعض من مساحته، الحمار يأكل ولا يرد، ثلثه ،الحمار لا يرد، نصفه، الحمار لا يرد، طيب حدد المساحة التي تريدها ولكن لا تتجاوزه، رفع الحمار رأسه وقد شبع من الأكل ومشى قليلاً إلى طرف الحقل وهو ينظر إلى الجمع ويفكر، فرح الناس لقد وافق الحمار أخيراً، أحضر صاحب المزرعة الأخشاب وسيَّج المزرعة وقسمها نصفين وترك للحمار النصف الذي هو واقف فيه، في صباح اليوم التالي كانت المفاجأة لصاحب المزرعة، لقد ترك الحمار نصيبه ودخل في نصيب صاحب المزرعة وأخذ يأكل، رجع أخونا مرة أخرى إلى اللوحات والمظاهرات يبدو أنه لا فائدة، هذا الحمار لا يفهم إنه ليس من حمير المنطقة لقد جاء من قرية أخرى، بدأ الرجل يفكر في ترك المزرعة بكاملها للحمار والذهاب إلى قرية أخرى لتأسيس مزرعة أخرى، وأمام دهشة جميع الحاضرين وفي مشهد من الحشد العظيم حيث لم يبقَ أحد من القرية إلا وقد حضر ليشارك في المحاولات اليائسة لإخراج الحمار المحتل العنيد المتكبر المتسلط المؤذي، جاء غلام صغير خرج من بين الصفوف دخل إلى الحقل، تقدم إلى الحمار وضرب الحمار بعصا صغيرة على قفاه فإذا به يركض خارج الحقل"يا الله صاح الجميع....." لقد فضحنا هذا الصغير وسيجعل منا أضحوكة القرى التي حولنا فما كان منهم إلا أن قـَـتلوا الغلام وأعادوا الحمار إلى المزرعة ثم أذاعوا أن الطفل شهيد.
kalilabosaleem@yahoo.com