زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى رام الله، ومباحثاته مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس سبقتها ورافقتها تحليلات سياسية وإعلامية متعددة في فهمها ونواياها تجاه تفسير التوقيت والأهداف والأبعاد، والقضايا التي سيتم بحثها، وقد تقترب تلك التحليلات أو تبتعد عن المعنى الحقيقي والمنطقي للزيارة والمباحثات التي تأتي في ظروف إقليمية معقدة للغاية، وتطورات خطيرة على خلفية ما وقع الشهر الماضي في المسجد الأقصى، وفي السفارة الإسرائيلية في عمان.
التوقيت مرتبط حتما بمجمل التطورات في المنطقة، وإمكانية التباحث حولها ممكنة من خلال المبعوثين، أو الاتصالات الهاتفية، أو هنا في عمان، لكن الذهاب إلى رام الله يعني الكثير، ويحمل من المعاني ما هو أعمق من مجرد التشاور حول المشكلات الراهنة إلى الخط الواصل بين عمان التي تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها الأولى، ورام الله التي تتشكل فيها نواة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.
وقد يقول قائل هل توجد فرصة لقيام هذه الدولة على الأرض الفلسطينية وفي هذا الوقت الذي يواجه فيه العالم العربي أسوأ ما حدث له منذ الحرب العالمية الثانية، وتكون عاصمتها القدس أيضا ؟ والجواب ليس عندي ولا عند غيري في هذه الحقبة الزمنية، ولكن إذا كان الهدف من كل ما يجري هو القضاء على هذا الهدف المشروع فإن التذكير بأن رام الله هي المقر المؤقت للدولة الفلسطينية من شأنه أن يعيد للقضية مكانتها بعد أن تراجعت إلى أسفل سلم الأولويات العربية والدولية نتيجة الوضع الإقليمي القائم على مدى الخمس سنوات الماضية.
نقطتان مهمتان في هذا السياق، الأولى هي أن الأردن يواصل دوره رغم صعوبة ووعورة الطريق نحو حل القضية الفلسطينية، وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وهو ما عبر عنه جلالة الملك حين أوضح أن الأردن يواصل دوره التاريخي والسياسي والقانوني للحفاظ على المقدسات، وعلى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
والنقطة الثانية هي أن التنسيق الأردني الفلسطيني ينطوي في هذه المرحلة بالذات على أهمية فائقة، وذلك على خلفية محاولات ترمي إلى تحويل قضية الشعب الفلسطيني إلى مشكلة فلسطينية–فلسطينية، وما قد يترتب على ذلك من اجتذاب تجاه الصراعات والتوازنات الإقليمية على حساب مشروعية القضية الفلسطينية التي ما تزال قضية مرتبطة بالشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، وحتى مرجعيات عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية المعطلة!
زيارة زعيم عربي هو الأكثر تحملا لأعباء تلك القضية، وفي هذا الوقت بالذات تؤكد أن الطريق من عمان إلى رام الله وبالعكس ستظل مفتوحة حتى في أصعب الظروف، كما أن الزيارة في بعدها السياسي تأكيد على شرعية السلطة الوطنية الفلسطينية، وفي بعدها المعنوي دعم قوي لصمود الشعب الفلسطيني.
الرأي
yacoub@meuco.jo