عندما ينطق الملك .. أين الحكومة !
د.طلال طلب الشرفات
08-08-2017 10:15 AM
في نطق جلالة الملك السامي عن تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد واحترام مبدأ سيادة القانون بأعتبار الاخير عنوان الاصلاح الشامل لبناء الوطن على اسس من النزاهة والشفافية والعدالة وضعت الحكومة واذرعها الرقابية انفسها في دائرة المسؤولية الوطنية والمساءلة القانونية عن كل حالات الاعتداء على سيادة القانون والصلف في الاداء العام دون حسيب او رقيب من البرلمان او المؤسسات الوطنية الاخرى .
كنا نقول دائماً ان الفهم العام لمدى التزام الحكومة بالعدالة وسيادة القانون يتسم بفقدان الثقة تماماً ، ويؤشر الى حالة الاحباط الكبير الذي يعتري المواطن والنخبة على حدٍ سواء ، وينذر بتآكل القناعة الشعبية بجدوى منظومة الاصلاح برمتها ويعزز دوافع الانحراف والسلبية والفساد ، ويؤدي بالضرورة الى انهيار منظومة الاخلاق الوطنية ويخلخل ركائز الانتماء .
تعديل قانون الكسب غير المشروع وتطبيقه وفقاً لقواعد التجربة الماليزية او السنغافورية ومراقبة نمو الثروة للمسؤولين ومجالس الادارة في الشركات المساهمة العامة لن تسعد به الحكومة ولن يمر في البرلمان ، لأن ثقافة الطبقة السياسية في مجملها ثقافة لا تحتمل الشفافية والنزاهة ولا تأبه كثيراً بالرأي العام الا في حدود مصالحها واجندتها النفعية البحتة .
تعزيز منظومة النزاهة ومكافحة الفساد يحتاج الى محققين على درجة عالية من المهنية والاحتراف ، ومجلس واعٍ مؤهل شجاع يتسم بالحكمة والروية وسعة الافق ونكران الذات ، والعمل بروح الفريق الواحد بعيداً عن الفردية والتسرع واحتكار الحقيقة ويؤمن بقرار الاغلبية في قرارات المجلس ، وتعزيز النزاهة يتطلب استقلالية حقيقية لا صورية لمجلس الهيئة وأن يعمل المجلس بشجاعة لتعزيز تلك الاستقلالية كمنطلقات بناء لا معاول هدم لا سمح الله .
النطق السامي خارطة طريق للحكومة ومجلس الهيئة ومناسبة لمحاسبة كل الذين تطاولوا على سيادة القانون واعتدوا على استقلال الهيئة قبل اسابيع ، وفرصة لبناء منظومة النزاهة وفقاً للمعايير الدولية وسيادة القانون ، وتعديل التشريعات التي تتضمن منافذ الفساد والمتمثلة في السرية والصلاحية التقديرية والصلاحية الواسعة وهي لا تتعدى العشرات واغتنام الدعم الملكي المتنامي والارادة السياسية الحاضرة لتعزيز سيادة القانون لا للقفز عليه .
تعديل قانون الهيئة ضرورة لتعزيز استقلالها وتوسيع صلاحية مجلس الهيئة في مراقبة الخلل في الاداء العام داخل الهيئة وخارجها ، وتوحيد مرجعية التحقيق في قضايا الفساد ، واعادة النظر في نظام حماية الشهود والمبلغين وبما يضمن عدم تعسف الهيئة في منح الحماية او عدمها او رفعها او الرضوخ لرغبات الحكومة في هذا الشأن عندما يكون طالب الحماية من الموظفين العامين ، ووضع قواعد لمساءلة مجلس الهيئة عن تقصيره في اداء مهامه او اساءة السلطة الممنوحة له او لأي من اعضاءه .
احزن كثيراً عندما المس الصلف في اختراق القانون ، ويتملكني الحزن اكثر عندما اعلم ان الاعتداء على سيادة القانون كان من اشخاص اقسموا على كتاب الله بالحفاظ على سيادته ، ويتملكني العجب عندما يبقى هؤلاء في مناصبهم دون حسيب او رقيب .
بعد اشهر قليلة سيعاد تقييم موقع الاردن في المجتمع الدولي وفقاً لمعايير الشفافية الدولية بعد التراجع المريع في العام الماضي، واكاد اجزم ان هذا العام سيشهد تراجعاً وربما يدخلنا في دوامة السياسات الفاشلة في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد ، وعندها فقط سندرك ان كل ما فعلناه في هذا العام ما هو الا مجرد قشور وان المستوى الفعلي يتجه نحو الانحدار .
عندما ينطق جلالة الملك ليس في وسع الحكومة الا ان تصدع للامر السامي وتعمل بمضامينه فوراً ودون ابطاء .