مهاجمة مصر .. خسائر اضافية للعدوان على غزة
هاني الحوراني
05-01-2009 03:05 PM
يعترف بعض رموز المعارضة المصرية والعديد من المواطنين المصريين بأن أداء حكومتهم ازاء العدوان الاسرائيلي على غزة لا يتناسب مع حجم بلد بحجم مصر، ولا مع تاريخها وتقاليدها. وكنا نظن أن اطلالة الرئيس حسني مبارك على شاشات التلفزيون المصري للحديث عن الموقف من العدوان الاسرائيلي سوف يردم فجوة التوقعات ويعزز الثقة بالدور المصري، بالتالي، ويسحب البساط من تحت أقدام من يهاجمها وينتقدها. لكن الخطاب، للأسف، لم ينجح في تحقيق هذا الهدف، على الأقل من وجهة النظر العربية خارج مصر. وهذا ما زاد من وقود النقد والهجوم على النظام المصري.
مع ذلك فإنه من المؤسف أن يستمر قادة وتنظيمات المعارضة العربية ولا سيما الاسلامية، ومنها قادة الاخوان المسلمين في الأردن وحزب الله في لبنان، في شن الحملات والاتهامات ضد مصر، وهم يعلمون انها بلا طائل ولا تلحق سوى المزيد من الشروخ في الصف العربي، والأهم من ذلك انها تؤذي المصريين جميعاً، وليس السلطات المصرية وحدها.
والأسوأ من هذه الهجمات هو حرق العلم المصري الذي هو رمز وطني لكل المصريين، ويجب أن لا يدخل ساحة الخلاف أو التعبير عن الغضب الشعبي.
من حق المعارضات العربية والاسلامية أن تعتب على القيادة المصرية، وأن تواصل مطالبتها بفتح معبر رفح ووضع ثقلها إلى جانب أهل غزة، لكن ليس من حقها تصفية حساباتها السياسية مع القيادة المصرية باسم الصامدين في غزة، أوعلى حساب كرامة المواطنين المصريين والاستهانة بعلمهم الوطني. ولو كنت مكان هؤلاء الذين يسيرون المظاهرات ويصوغون الشعارات والهتافات لامتنعت عن الاساءة للرئيس مبارك والحكومة المصرية واكتفيت بدعوتهما إلى رفع الدعم والمساندة لأهالي غزة الصامدين ولتركت للشعب المصري والمعارضة المصرية مسؤولية مخاطبة نظام مبارك ومساءلته واتهامه. ذلك أن الرئيس مبارك وحكومته، ومهما كانت مشاعرنا تجاههما، يظلا يمثلان عنوان الدولة المصرية، والاساءة اليهما يسيئ إلى مشاعر المصريين، إن لم يكن جميعهم فلمعظمهم.
ما من شك أن في طيات الانتقاد والهجوم على مصر، نوعاً من العتب الضمني على قادة مصر. وقد اعجبني شعار رفعته النقابات المهنية الأردنية في الأيام الأولى للعدوان على غزة، يقول: "مصر يا أم الدنيا اليست غزة من الدنيا؟!" وياليت شعاراتنا ترقى إلى مستوى هذا العتب الأخوي الرقيق، وتبتعد حناجرنا عن عبارات التنديد والغضب على الأشقاء المصريين، إذ يكفينا عدو بحجم اسرائيل ولا حاجة لاستعداء الأشقاء، ومرة أخرى اتركوا مسؤولية مساءلة قادة مصر للمصريين.
هناك الكثير من المسكوت عنه وراء التنديد والهجوم على مصر. هناك من يخفي تقصيره، ويسعده ابعاد الأنظار عنه باتجاه القاهرة، وهناك الكثير من الحقائق التي طُمِسَت وراء شعار فتح معبر رفح، منها أن إغلاقه تم لرفض حماس اشراف السلطة الفلسطينية عليه، وان وجود المعبر واعادة فتحه مرتبطان بوجود اتفاق على تواجد مراقبين أوروبيين عليه. فإذا كان المقصد تسهيل عبور المساعدات والأفراد من خلال المعبر، فإن المطلوب هو عودة السلطة الشرعية إلى الاشراف على المعبر وعودة المراقبين الأوروبيين اليه لتسهيل نجدة الغزيين المحاصرين. وبكلام آخر فإن فتح المعبر وعمله بشكل طبيعي يعتمد على موقف حماس التي وضعت غزة تحت سلطتها المباشرة، حين قامت بانقلابها على السلطة الشرعية في غزة قبل ستة عشر شهراً.
الآن هو وقت العقلانية والمرونة والارتفاع عن الخلافات الداخلية، وما من شئ يمنع دعوة ممثلي السلطة الشرعية الفلسطينية للعودة إلى الاشراف على معبر رفح، ولا نظن أن الاوروبيين يمانعون في العودة لمراقبته، بل ولا نظن أن إسرائيل تتجرأ على رفض هذا المطلب. إذن فالمسؤولية عن إغلاق معبر رفح أو إعادة فتحه فلسطينية بحتة.
الموقف الرسمي المصري، مثله مثل الموقف الرسمي العربي، ليس أبداً في مستوى التوقعات والمراهنات. كنا نعرف ذلك قبل الهجوم على غزة، وهذا الهجوم الأخير لم يكشف جديداً على هذا الصعيد. واثارة الشارع العربي على الأنظمة العاجزة لن يوقف معاناة أهالي غزة. والمطلوب في هذه الساعات والأيام القليلة المقبلة، هو توجيه الجهود والأنظار نحو اسرائيل ومن يحميها من العقاب ويحول دون ردع عدوانها المستمر على غزة، والامتناع عن فتح المعارك الجانبية.
hani.hourani@alghad.jo