في موسم الانتخابات البلدية واللامركزية
أ.د.محمد طالب عبيدات
08-08-2017 01:52 AM
موسم الانتخابات البلدية واللامركزية وإن كان أقل حماساً من الإنتخابات النيابية إلّا أنه مليء ‹«بالاكشن»، والفعاليات الموسمية والمتجددة أحيانًا والغريبة أحياناً أخرى، ومع ذلك فالموسم الانتخابي فيه حراك اجتماعي وسياسي واقتصادي ولا أحلى، ففي موسم الانتخابات تظهر البيانات السياسية وتتحرك الاسواق وتظهر الفلوس وتعج المضافات والدواوين بالناس، وتكون أهمية الناس في أوجها، وتطفو على السطح بشاشة الوجوه والضحكات الصفراء، وهنالك الكثير من المظاهر.
وفي موسم الانتخابات تظهر التنافسية كحرب باردة في خضم غياب الروح الرياضية، ويكون الامل له نهاية في موعد التصويت، وتكثر الفزعات والنخوات والحمية، وفي موسم الانتخابات تكثر وعود المرشحين، وتكثر وتتضاعف طلبات الناخبين على السواء، ويكثر أحياناً سحب الافلام الهندية، وتكثر الهدايا، وتكثر صلة الارحام، وتكثر أشياء كثيرة، وفي موسم الانتخابات الكل يدّعي أنه الاقوى والاكثر حضورا وبرامجية، حيث يخلط الناس بين التنافسية والهزيمة بالرغم من معرفة الجميع بحجمة الحقيقي في واقع الحال، وبالرغم من العلم بأن عدد الأصوات محدود، فتغيب الواقعية وتكثر الأحلام والشطحات.
وفي موسم الانتخابات تكون الأجندات الجندرية حاضرة وتطفو على السطح، فعناوين المرأة والشباب تتصدر البيانات الانتخابية، لكن الضباب سرعان ما ينقشع حال التصويت فتكون الفزعة إقليمية ضيقة دون كفاءة أو جندرية او برامجية أو تاريخ أو جغرافيا، وفي موسم الانتخابات خصوصيات كثيرة وعزف أوتار تجعل من هذا الموسم أن يدخل في موسوعة جينيس بيسر وسهولة.
وفي موسم انتخابات البلدية واللامركزية تطفو خصوصية جديدة سلبية حيث التقسيمات العشائرية والمناطقية والقروية والأفخاذ لتصل للأسرة والبيت الواحد، والسبب أن هذين القانونين يتعاملان مع كل بيت ورقعة والمنافسة محدودة وضيقة لأقرب دائرة، لدرجة أن البُنية الاجتماعية في بعض المناطق تتفتت لأضيق حالة وثقة الناس ببعضها تنهار لعدم فهمهم للديمقراطية الحقيقية أو فهمهم الخاطىء لها، لا بل أكثر من ذلك!
وفي محور الدعاية الإنتخابية، فقد أطّر قانوني الانتخاب اللامركزية والبلديات طبيعة الدعاية الانتخابية ومدتها وأماكن وضعها، وسمح القانونان عرضها بالطريقة المناسبة في وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية والمواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل عرض البرامج الانتخابية للمرشحين، فالمستعرض للمادة الدعائية على الطرقات وفي الشوارع يلمس غياب البرامجية فيها واقتصارها على عرض صور فردية للمرشحين، ولا وجود طبعاً للحزبية البتّة، فالمرشحون حولوا الشوارع داخل المدن لمعارض صور ميدانية، وكأن الانتخاب سيكون للمرشح صاحب الصورة الاكثر وسامة!
والتباين في عرض صور المرشحين واضح للعيان ويعكس الملاءة المالية لكل مرشح وليس برنامجه الإنتخابي، لدرجة أن البعض يشكك فيمن يصرف هذا المال على الدعاية الانتخابية كيف سنأتمنه على الوطن وماله؟ وهنالك بعض المواد الدعائية تحجب الرؤية، وبعضها غطى إشارات المرور، وبعضها في الاماكن المناسبة، وبعضها في مهب الريح.
أمّا الحرب الباردة في التنافسية غير الشريفة في بعض المناطق بدأت من خلال تخريب الدعاية الانتخابية لبعض المرشحين من خلال مناصري مرشحين آخرين منافسين، وهذا لا ينم عن سمو أخلاق، كما أن البرامج الانتخابية يجب أن تكون واقعية وقابلة للتطبيق وتحترم ذهنية الناخب، وليس تمثيلا أو تصريحات لشعارات غير ممكنه، فالكل يعرف واقع الحال والممكن والمستحيل في الخدمات والتنمية!
فمطلوب أن نتغير ولكن أن لا نتغير فقط للانتخابات: ناخبين ومترشحين، فبصراحة موسم الانتخابات كسوق عكاظ فكل يعرض بضاعته –لكنها ليست كبضاعة سوق عكاظ- والسوق يعج بالبائعين والزبائن لكن حسن الاختيار وشرف عملية الانتخاب وسمعة الوطن وشرفه وكرامته هو المطلوب.
ومطلوب إظهار برامج المرشحين أنفسهم بشكل إيجابي وليس مهاجمة الاخرين أو الاساءة إليهم، والابتعاد عن الشعارات الصاروخية والبراقة ما أمكن! فبعض المرشحين عرض بيانه الانتخابي وأطلق موقعه الخاص بالانتخابات من خلال شبكات التواصل الاجتماعي كوسيلة سريعة وفعالة وغير مكلفة، وهذا عين الصواب، ونتطلع أن تعكس الدعاية الانتخابية المادة البرامجية للمرشحين لا استعراض صورهم لتكون العهد والميثاق القويم بينهم والناخبين ليتم محاسبتهم ومساءلتهم من خلالها إبان تحملهم المسؤولية.
ومطلوب عدم المبالغة بالدعاية الانتخابية لان كثرة الدعاية وتنوعها وتكلفتها ليس مقياسا البتة في ضمان النجاح في خضم حالة من الوعي الانتخابي لدى المواطنين، وبصراحة فإن كُثرة أو قلة الدعاية الانتخابية أنى كان نوعها ليس مؤشرا على قوة أو ضعف فرصة المرشح بالنجاح ولا تتناسب معها، ولذلك مطلوب الاعتدال بالمادة الانتخابية والتنافسية الشريفة وإظهار البرامجية لا الصور الشخصية، فدعاية المرشحين الانتخابية هي تاريخهم وأفعالهم ومسيرتهم وأخلاقهم وبرامجهم وآدابهم واحترامهم للناس ومصداقيتهم وتواضعهم وعملهم الدؤوب من القلب وخدمتهم للناس وسمعتهم الطيبة.
ولعل ما تم التعريج عليه أعلاه هو غيض من فيض الحراك والعملية الإنتخابية والتي يشكّل موسمها الانتخابي لللامركزية والبلديات معاً تجربة أردنية إصلاحية لأول مرة وفق الرؤى الملكية السامية، وهذا مفصل تاريخي متميّز في زمن الدولة الأردنية التي بات يشار لها بالبنان في عملياتها الإصلاحية التي يقودها باقتدار جلالة الملك المعزز وفق رؤيته الإصلاحية وخريطة الطريق العصرية التي تعزز العملية الديمقراطية والحياة المدنية في زمن الألفية الثالثة التي تشهد حركات دموية وإرهابية في دول الجوار وتعاني دولها من حالة اللااستقرار والفوضى، ونحن بالمقابل في الأردن والحمد لله تعالى ننعم بفضل قيادتنا الهاشمية المظفرة وجيشنا العربي المصطفوي وأجهزتنا الأمنية البطلة ومواطننا الواعي باستتباب الأمن والمضي قدماً في الإصلاح الشامل، وهذا فضل ونعمة من الله تعالى علينا أن نغتنمها ونعضّ عليها بالنواجذ.
الدستور