لن انسى في حياتي ، ابدا ، السيدة من البادية الشمالية ، التي بلغت من العمر ، مبلغا ، وهي تحمل فراشها ، كله ، وتتبرع به لاهل غزة ، وحين أسألها عن تبرعها تقول هذا كل مالديّ ، فهو فراشي ، ولا اريد غطاء ، ولا وسادة ، ولو كانت روحي بيدي لأعطيتها لاهل غزة.
بالنسبة لي لا استغرب ابدا ، موقف شعبنا ، في السلط وعجلون والطفيلة وجرش واربد والكرك والطفيلة ، وكل مكان ، هذه هي فطرتهم ، وهذا هو موقفهم ، طول عمرهم ، وقبل الفراش ، اقتسموا مع اهل الضفة الغربية رغيف الخبز ، وشربة الماء ، وشبر الارض ، ولم يكن دمهم الا..اول الدم ، للشعب الفلسطيني ، وهو الذي ينكره الحاقدون فقط ، من استبدلوا عدوا بعدو ، فيما الاول عدو ، والثاني نصف الروح ، وكل الحياة ، ايضا ، وحين يكون شهداء الاردن ، اول الدم ، ايضا ، في مدن فلسطين وقراها ، وحين يكون الاردني اقرب بحق الى الفلسطيني ، الاقرب اليه ، تاريخا ، وأرحاما ، ودما ، وحاضرا ومستقبلا ، وحين نرى الجمعة ، كيف هب الناس ، من كل صوب وحدب ، من اجل غزة ، وتبرعوا بمالهم وطعام بيوتهم ، كما في حالات ، نعرف ان الدولة والشعب ، كانوا على قلب رجل واحد ، وهو مشهد يذكرنا جميعا ، بأن الاردن ، واهله ، ليسوا صدفة تاريخية ، فهذا بلد بمثابة الناصية المباركة ، من الرأس العربي ، وبمثابة الجبين الطاهر ، الذي لايحق لاحد منا إطالة اللسان عليه ، علنا ، او سرا ، امام الناس ، او حتى في بيته ، وبين جدران غرفته.
ما يهمنا اليوم ، ليس الكلام العاطفي ، ومايهمنا هو ان نتنبه الى المخاطر التي احاقت بالاردن ، وتحيق بالاردن دائما ، وهي المخاطر التي لايريد البعض ان يصدقها ، باعتبارها مجرد "دعاية فارغة" فخطر الوطن البديل يطل برأسه ، وانكسار حلقة غزة وحماس ، يعني بكل بساطة انتهاء حل الدولتين الاسرائيلية والفلسطينية ، ويعني بعد ذلك ، تنفيذ مخططات اسرائيل ضد الاردن ، عبر ترحيل اهل الضفة الغربية الى الاردن ، ومعهم ربما اهل الثمانية والاربعين ، حين اشارت وزيرة الخارجية الاسرائيلية ، سابقا ، الى ان حلهم القومي ، هو في دولة فلسطينية ، لم تحدد مكانها ، ونحن نضع ايدينا على قلوبنا ، من فوز نتنياهو او ليفني ، ونعرف ايضا ، ان احد المخططات هو اجبار الاردن ، بكل الوسائل على تحمل مسؤولية ، ماتبقى من الضفة الغربية ، وهذا يعني ان لامصلحة اردنية ، ولا على اي مستوى ، بأن تنهزم غزة ، وتنكسر هذه الحلقة ، لانها ستفتح الباب ، لحرق ملف الضفة الغربية ، وهذا يعني من جهة اخرى ، ودون مزاودات على احد ، ان علينا ان نفهم جميعا ، ان مصلحتنا الفردية والجمعية ، هي في تراص الصفوف ، وحماية الامن الداخلي للبلد ، وعدم السماح بالفوضى ، وعدم تجاوز الحدود في التعبير عن الموقف ، فلا نرجم شرطيا بالحجارة ولاسيارة ، ولامحلا تجاريا ، وعلينا ان نتذكر ان هؤلاء كانوا من اجلنا ومن اجل حمايتنا ، وان نعرف ان الامن المتطلب الاهم في الحياة ، فهاهي العراق تطفو على بحر من الثراء والنفط ، لكن العراقي ينام خائفا ، ويذهب ابنه الى المدرسة خائفا ، نعم..من مصلحتنا كلنا ان نقف مع غزة بكل الوسائل ، وان نعرف ان غزة ، لاتريد ان يخرب الجوار ، ويغرق بالفوضى ، فالاردن القوي هو القادر على مساندة غزة ، والتخفيف عن اهلها ، ولم يعد منطقيا ، ان يظن البعض ان الغضب على اشتعال النار بغرفة الاخ والشقيق ، يكون بإشعال النار في غرفتي ، لإبداء التضامن ، بينما الحل واضح ، وهو إطفاء النار في غرفة الشقيق ، وحسب ، ومنع النار من ان تمتد الى من فيها.
كان بلدنا وأهلنا في كل مكان ، يتعرضون دوما ، الى الغمز واللمز ، من مواقفهم ، دون سبب ، سوى الكيد والاحقاد الصغيرة ، وسوى الجهل وقلة الفهم والوعي ، وقد رأينا كيف يتلفت البعض للزج بالاردن في اتون هذه المحرقة ، عبر اثارة الحديث عن المعابر الفلسطينية مع الاردن ، برغم ان المعابر من هنا ، ليست مطروحة في كل الازمة الحالية ، غير ان البعض يريد ان يداري فضيحته بالحديث عن غيره لتشتيت الانظار ، والحمد لله ، ان الاردن لم يغلق الجسور في وجه احد في يوم من الايام ، حتى تحت وطأة قصف مدن الضفة الغربية ، وكل ما كان يفعله الاردن هو اجراءات لضمان عدم تهجير الناس ، وفرق بين هذه الضمانات ، وبين خنق الناس وقتلهم ، تحت مسميات مختلفة ، وكان الاردن دوما مهددا بأخطار عديدة ، وعلينا اليوم ، ان نفتح عيوننا جيدا ، وان لانسمح بأي مشكلة ، او افتعال لمشكلة ، او مرور لعابثين او مخربين من بين ظهورنا ، يخدمون مخطط التخريب الاسرائيلي في نهاية المطاف ، بحسن نية ، او سوء نية.
لاشيئ في الحياة ، يعادل نقطة دم تسيل من جسد شهيد ، في غزة ، غير ان من حقنا ، ان نشعر براحة كبيرة تجاه موقف الدولة والشعب ، وهذا التماسك ، وان ندق الخشب خوفا ، مما قد ينغص علينا هذه الحالة ، وان نعرف ان غزة الجريحة ، تريد منا وقفة مستمرة ، بكل الوسائل ، ولاتكون هذه الوقفة ، الا في حال كنا متكاتفين وأقوياء ، ونفهم حجم الخطر والاخطار ، على حد سواء.
m.tair@addustour.com.jo