تدرج لدى بعض الزملاء، في بعض المراحل، استعارة بعض الأمثال الشائعة، ينقلونها عن بعضهم بعضاً، من دون أي حرج، ومن دون العودة إلى الأصل، أو المصدر. ومن أكثر الشوائع استخداماً، أو استهلاكاً، أو استنفاداً: «أسطورة سيزيف»، التي يستخدمها الزملاء عادة لبعث الأمل في النفوس اليائسة. فالأخ سيزيف هذا، كان يحاول أن يدفع بصخرة ثقيلة إلى ظهر تلّة، وكلما اقترب من الذروة، تدحرجت الصخرة نزولاً، فلا ييأس، بل يحاول من جديد.
وفي الرمز، تبدو القصة جيدة، كما ترى. لكن أصل الأسطورة الأولى أن سيزيف هذا رجل «بلا أصل»: متآمر، غشاش، خدّاع، وعقوق. ولذلك؛ كان عقابه أن يصعد بالصخرة، لوضعها على التل، وإلا سقطت عليه.
لكن ألبير كامو جاء – سامحه الله – وجعل منها حكاية نموذجية للصبر والمثابرة. غير مدرك أنها سوف تقع – صدفة، لا بحثاً – في أيدي الزملاء الذين يكتفون بقراءة الكتب من عناوينها، دون التأكد من أن هذا العنوان، لهذا الكتاب. وقد أصبتُ بنوع من الحساسية من مثل هذه المكررات. فصرتُ كلما رأيت شجرة واقعة على جانب الطريق، أشعر بالحمى لأن الكتّاب كرروا لنا طوال نصف قرن، أن «الأشجار تموت واقفة». وبعدما كنت أعشق شعر غارسيا لوركا، صرتُ أصاب بزكام حاد عندما أجد أن زميلاً من جامعي الجوائب، رمى اسمه مرة أخرى، قبل أن يخطر له قراءة قصيدة واحدة من شعره. ويهون الأمر عندما يرد اسم الدعامة الأدبية في خصر المقال، أو في كعبه، لكن عندما يرد في السطر الأول، ألطم حظي من جهة، وأشكر ربي من جهة أخرى: اللطم، لأنني وقعت في الفخ من اللحظة الأولى، والحمد لأنه تحذير مبكر: كل ما تبقى، من البضاعة نفسها.
اعتقدت طويلاً أنني الضحية الوحيدة لهذا الوباء، إلى أن رحت أقرأ في خطب الرئيس التشيكي فاتسلاف هافل، الذي بدأ حياته كاتباً مسرحياً. وهو يشكو في إحدى خطبه من الأخ سيزيف وحكايته المملة ودروسها المستهلكة. ويقول ساخراً، يا جماعة، لقد انتهى الأمر: وصل سيزيف ومعه صخرته إلى رأس التلة، وثبتها هناك، وذهب إلى النوم مطمئناً. يا جماعة ارتاحوا. أو دعوا الأخ سيزيف يرتاح.
الشرق الأوسط اللندنية