بلدنا بحاجة الى روح جديدة .. !!
حسين الرواشدة
06-08-2017 01:44 AM
هل يمكن ان يكون عنوان المرحلة القادمة لبلدنا في كلمتين هما : “تصحيح المسارات”؟
لدي ثلاث حقائق - وقائع ان شئت - تدفعني الى طرح هذا السؤال : الاولى هي حالة الارتباك التي شهدناها بعد حادثة السفارة في الرابية وقبلها العملية الارهابية في الكرك، والارتباك هنا لا يتعلق بالاداء الاعلامي فقط وانما بالسياسي والاجتماعي ايضا، يتعلق بالمسؤولين السابقين والحاليين وبالاحزاب والنخب وبايقاع المزاج العام للناس، اما الثانية فهي تراجع خطر العدو الاول الذي هو “الارهاب والتطرف” لحساب اخطار جديدة تتعلق بملفات الداخل، واهمها الاقتصاد المرتبط اصلا بالاداء السياسي، وما افرزه هذا الملف من احساس بالاحباط والخوف من المستقبل خاصة لدى الشباب، تبقى الحقيقة الثالثة وهي الحصار الذي يتعرض له بلدنا من كافة الاتجاهات بعد التحولات التي طرأت على منظومة التحالفات بالمنطقة الامر الذي يستدعي التفكير جديا في عنوان واحد وهو “الاعتماد على النفس” والتعويل على الاردنيين فقط في مواجهة التحديات التي تنتظرنا في المستقبل.
اذا اتفقنا على هذه الوقائع التي تحتاج الى شرح طويل اتركه للقارئ الحصيف، ثم اضفنا لذلك حاجتنا الى انعاش المجتمع ورفع همة الناس واحياء الامل لديهم، من خلال التفكير بالتغيير الحقيقي ( لا المغشوش) الذي ينتظره الناس، فان تصحيح المسارات الذي اشرنا اليه كاولوية لا يتعلق فقط بالحكومة ومقرراتها وأدائها العام، وانما يتعلق ايضا بالعدالة ومرافقها، والادارة وماكينتها الثقيلة، والاعلام والضمائر التي تتحرك فيه، والتعليم وملفاته الخطيرة، ثم بالبرلمان الذي يبدو أن الرهان أصبح “معلقاً” عليه للولوج الى حالة سياسية مختلفة تتناسب مع المتغيرات التي طرأت على “الايقاع” العام للمجتمع وقواه السياسية، انه باختصار يتعلق “بالدولة” من حيث اتجاهاتها ومقرراتها، ومن حيث قدرتها على “تغيير” المزاج العام للناس نحو الثقة بها واحترام خياراتها، والانخراط معها لتصحيح المعادلات السياسية والاجتماعية التي تعرضت “لإصابات” كبيرة في السنوات الماضية.
عندما يدرك الوزير في الحكومة والنائب في البرلمان والمسؤول في المؤسسة ان المسارات القديمة انتهت، وان الوقوع في “الخطأ “سيكلفه ثمناً كبيراً، وان القانون لن يستثنيه من المساءلة والمحاسبة، وان عيون “المجتمع” مفتوحة تترصد أفعاله وتراقب أداءه، وأن الشارع ما زال “حاضراً” في المشهد وجاهزا للاحتجاج ويتمتع بالحيوية اللازمة للحركة والتأثير.. عندها يمكن أن نتوقع “ثورة” بيضاء تخضع الجميع لمسطرة “النظام” وتقيس أداءهم على معايير “الكفاءة” الموحدة، وتدفعهم نحو “التنافس” على خدمة الناس لا الزحام لتحقيق مصالحهم الفردية، ونحو الالتزام بأخلاقيات الوظيفة العامة ومستلزماتها لا “التملص” منها تحت لافتة “التجاوز المشروع” أو “غياب” أعين الرقيب.
تحت عنوان تصحيح المسارات يمكن أن نتوافق على “مشروع” اصلاح سياسي ينسجم مع طموحات الأردنيين، ويحسم اسئلتهم المعلقة منذ اعوام، ويدفع عجلة الحياة العامة، وينتقل “بالمسؤولية” من سياق “التشريف” والمنفعة والحصول على ما أمكن من “امتيازات” ومكاسب الى سياق “التكليف” وخدمة الناس والخضوع لمساءلتهم، والالتزام بقضاياهم.. وهو منطق “الديمقراطية” الحقيقية التي نكتشف - اليوم - للأسف باننا اهدرنا وقتا طويلا في البحث عن “مفرداتها” .
اذا التزم “الرسمي” بعنوان “تصحيح المسارات” وعبرت الدولة بكل سلوكياتها وتصرفاتها عن هذا المبدأ بنزاهة، وتحول خطابنا الرسمي من اطار “التمجيد” والتلميع والتغطية على السلبيات واستطاع ان يقنع الناس بانهم امام “تحول” حقيقي فان روحا جديدة ستكون قد دبت في جسم الدولة المدنية التي يحلم بها الاردنيون،والمطلوب عندئذ ان ينعكس هذا العنوان على طرفين: احدهما الدولة التي يجب ان يكون سلوكها منسجما تماما مع “سيادة القانون” ومع احلام الاردنيين المشروعة، والطرف الاخر هو المجتمع بمؤسساته وقواه الاجتماعية حيث يفترض ان ينهض لاستعادة حضوره وحيويته وتفعيل عناصر القوة فيه،وهنا تقع المسؤولية على “النخب” التي تتصدر الصفوف سواء اكانت محايدة اوموالية او معارضة، فهي مدعوة لرفع عنوان “الخطأ ممنوع” ايضا في علاقاتها مع بعضها وفي خطابها وفي تفاعلها مع الحياة العامة.
اذا تحقق ذلك على صعيد الدولة والمجتمع والنخب، واذا ما غادرنا دائرة “الاحباط” ومنطق الاستعباط والاستعلاء والهروب من الواجب، وبدأنا مشوار التصالح مع الذات، فان بوسعنا عندئذ ان ننظر الى المستقبل بعيون متفائلة.. وان نخرج من أزماتنا التي حاصرتنا وما تزال منذ سنوات.
الدستور