حكومة الملقي .. وتقليعة الستين
ناصر قمش
06-08-2017 12:11 AM
يحاول الفتيات والشباب أن ينتقوا صوراً جميلة لسيرهم الذاتية التي يرسلونها بالعشرات على أمل الحصول على وظيفة مناسبة، وكثيرون منهم يعتمدون على نماذج مسبقة أعدت على شبكة الانترنت، ولا يعرف معظم الشباب وهم يطاردون حلم الوظيفة أن الصورة على السيرة الذاتية أصبحت غير مطلوبة، وبعض الشركات لا تقبل أصلاً مثل هذه النوعية من السير الذاتية وذلك لتجنب أي فعل يتعلق بالتمييز لدى اختيار الموظفين، فمن خلال الصورة يمكن الوقوف على الأصل العرقي للمتقدم للوظيفة ولون بشرته، وهو ما يمكن بعض العنصريين من المدراء من استبعاد هؤلاء المرشحين.
تطورت تعريفات كثيرة خاصة بالتمييز لدى التوظيف، وتنبهت الجهات القانونية والرسمية للعديد من جوانب التمييز في التشغيل، وكان منهم العمر فأصدرت الهيئة الأمريكية المختصة بالعدالة في التوظيف قانوناً يمنع التحيز ضد المتقدمين للوظائف ممن تزيد أعمارهم عن أربعين عاماً، علماً بأن سن التقاعد نفسه أصبح مناسباً للمتقدمين للوظائف في هذه الفئة العمرية، ففي البلدان المتقدمة اقتصادياً فإن سن التقاعد أصبح 65 عاماً ودون تمييز طبعاً بين الرجال والنساء، وفي النرويج يصل سن التقاعد إلى 67 عاماً، وفي الولايات المتحدة 66 سنة، علماً بأن بعض المهن، ومنها التي تحتاج لخبرات واسعة تتيح الفرصة للعمل حتى بعد ذلك العمر بسنوات ما بقي شاغل الوظيفة قادراً على العطاء، ومثلاً بقي آلان جرينسبان رئيس الاحتياطي الفيدرالي في منصبه حتى بلوغه الثمانين من العمر، وتبلغ الرئيس الحالي لنفس المؤسسة بالغة الأهمية والتأثير جانيت يلين 71 عاماً من العمر، ولماذا نذهب بعيداً؟ فبطرس غالي تولى الأمانة العامة للأمم المتحدة في السبعين من عمره.
تشجيع الشباب ضروري، ولكن لا يعني ذلك تفريغ الدولة من الخبرات، وهو الأمر الذي يتغافل عنه رئيس الوزراء هاني الملقي بإصداره لقرار يحول دون تعاقد الحكومة مع من تزيد أعمارهم عن ستين عاماً، والمفارقة بالطبع أن الملقي تولى رئاسة الوزراء وهو في الخامسة والستين من عمره، بينما كان يشغل منصباً مهماً في بنية الدولة الأردنية بعد أن تجاوز الستين، وفي حكومته وزراء تجاوزوا السبعين مثل ممدوح العبادي أطال الله في عمره.
هل يستطيع الشخص العطاء بعد سن الستين، نعتقد أن شخصيات مثل الدكتور ناصر الدين الأسد تدحض أي محاولة لنفي هذه القدرة الكبيرة على العطاء، والأصل في الأشياء أن يتم تجاهل أي معطيات سوى القدرة قدرة الشخص على خدمة الوظيفة التي يترشح لها، فالكفاءة لا ترتبط بالعمر، وقدرة الشخص على الإنجاز لا تعترف بمتاعب العمر، فالموظف الحكومي ليس لاعب كرة قدم أو سلة، والوظيفة الحكومية لا تتطلب في كثير من الحالات جهداً بدنياً استثنائياً، ومع أن السيد عقل بلتاجي يفوق الرئيس في العمر، إلا أن تواجده الميداني كان دائماً متقدماً على الملقي في كل المسؤوليات التي أنيطت به.
القرار الحكومي يظهر أيضاً تراجعاً في حساسية الرئيس تجاه التفاعلات الاقتصادية، فبينما يحاول الضمان الاجتماعي أن يسوق رفع سن التقاعد من أجل مواجهة الاستنزاف الكبير لموارده لتغطية رواتب المتقاعدين، يقدم الرئيس نموذجاً في الاتجاه المعاكس ويحدد سن التقاعد حتى على مستوى المتعاقدين مع الحكومة، وكأنه يريد استبدالهم بأشخاص جدد يحظون بمزايا الوظيفة بينما يظفر المتقاعدون برواتبهم التي تصرف دون وجود أي قيمة إنتاجية في الطرف المقابل.
تتواصل القرارات العشوائية وغير المنطقية وغير الضرورية لحكومة تحب الأجواء المكيفة وتنفصل عن واقع العمل الميداني وما يحدث في كواليس مختلف الأجهزة الإدارية، ولذلك تعطي الفرصة لمزيد من الثغرات والهفوات التي من شأنها أن تضع على الحكومة إحراجا ما كانت لتضطر له في حالة دراسة قراراتها بعمق وتأن، ولكن هل تبالي حكومة الدكتور الملقي بالإحراج بعد كل ما حازته منه دون أن يرف لها جفن.