يقال ان شخصا اسمه دوغ كونانت غادر من منصبه في شركة ناجحة في السوق ليتولى إدارة شركة على وشك الافلاس، وكان اهم قراراته انهاء خدمة عدد ضخم من مدراء الصف الأول في الشركة، واستبدالهم بأشخاص جدد يقبلون العمل معا من أجل انقاذ الشركة، وبعد انتهاء الخطة العشرية التي وضعها وتحقيق الشركة نقلة نوعية في مستواها الاقتصادي، لم يتأخر في اتخاذ قرار التقاعد في 2001، وفي ذات السياق هناك شركات كبيرة لم تلتفت إلى اعمار موظفيها وخبراتهم او حتى شهاداتهم عندما قررت ان تستفيد من طاقاتهم في صناعة مستقبل ناجح، وفي الامارات أيضا كان للوجوه الجديدة وخاصة الشباب دور مميز في الحكومة الحالية، فمعظمنا يرى ان التجديد قيمة مطلوبة خاصة إذا بنيت على أسس واضحة وذات اثر حقيقي.
الهدف مما سقته في مقدمتي يرتبط بواقع حالنا الذي نعيشه من ركود في النهج اليومي في مختلف الاصعدة والشؤون الحياتية، حتى بات الكثيرون منا يعيشون حالة من السلبية تقودهم اما للرتابة وعدم الإنجاز أو التفكير بالرحيل إلى بيت جديد (وطن اخر)، ظنا منهم ان الاوطان تضيق بأبنائها، الأمر الذي يجعل لزاما على مؤسسات الدولة وقادة الرأي فيها دراسة هذا الواقع والوصول إلى حلول تضمن ان البيت العامر سيبقى مأهولا وان شبابه لن يرحل الا داخل حدود الوطن ومن موقع إلى موقع أفضل.
من وجهة نظري الشخصية إن أول اشكال الرحيل يجب ان يجري على قادة الصف الأول في بعض المؤسسات، خاصة ممن لا يشكلون لسكان بيوتهم (العاملون في مؤسساتهم) وزوارها أي معنى، ولا يرتبطون معهم بعلاقات جيدة، فمثل هذا الاجراء قد يكون فرصة لمجيء قيادات شابة تبعث روحا جديدة في المؤسسات وتضمن بقاءها فاعلة بضخ دماء نشطة في اجسامها، كما ان فكرة الرحيل ذاتها ستكون فرصة لكي يدرس كل شخص بمن فيهم قادة المؤسسات الحالية خياره القادم في خدمة الوطن، وربما كان ذلك في عالم الاقتصاد الاهلي أو الخاص وتنشيط حركة الاستثمار، أو ربما كان باتجاه النشاط الاجتماعي مع الجيران الجدد(أبناء المجتمعات المحلية) والاسهام بتطوير البناء المجتمعي من خلال خبراتهم.
ان صعوبة الرحيل على الراحل اخف وطأة من صعوبة الترحال على المستقبلين، والتغيير أقرب إلى القلوب من التغير، لذلك وجدت ان تقديم هذا الطرح في مقالي يجب ان يُحمل أيضا بضرورة بناء نظريات جديدة في اعمال مؤسسات الدولة وادارتها، مع الحفاظ على الموروث الحضاري والمدني للمجتمعات وتعزيز القيم الايجابية فيها، وصولا لبناء منظومة متكاملة تقوم على قبول الاخر واعطاء الفرص لمستحقيها في مختلف المواقع.
فما نحن بحاجة له اليوم هو بيت بشكل جديد يقوم على طاقة متجددة، ولسكان جدد يبعثون فيه الامل والحياة، ويقبلون الاخر ويتيحون الفرص لمن معهم على أساس الكفاءة لا الرتبة والنسب، ويقبلون بانتهاء مهماتهم، وان يقدم المغادر للقادم النصيحة والمشورة وان تكرس كل الطاقات لخدمة الوطن، وان يؤمن كل منا بأن الفرص من حق الجميع وطريق النجاح متاحة لنا، وان لم نصنع التغيير لن يكون لنا متسع في المستقبل الذي نراه لوطننا في عيون جلالة الملك براقا.