-1-
ليس لأن الكلام يغرق، في عَرقِه، كلما حاول الإقتراب من عيونهم، المفتوحة، على الصمت والموت. ولا لأنهم يذهبون، الى هناك، بحدقات مفتوحة، على وسعها، فلا تمنح احداً برهةً، للملمة ما يتساقط، خلسة، من عروق الجبين. ليس من أجل هذا يصبح الحديث، عن كارثة غزة..، جارحاً.. ومتعباً.
ذات زمان، ليس بعيداً، سقطت السياسة العربية، في فخ باب الوهم الصهيوني الضيق. فحاصرت، تلك السياسة، ما تبقى من العرب، على امتداد الساحل الفلسطيني الطويل، بنظرة، تراوحت بين التخوين، وبين تحريضهم على القيام بما يعجز الآخرون عن القيام به. وطولبوا، بانتحار جماعي، لا يضيف الا مزيداً من شواهد قبور، على تلك البقعة المعذبة، من ارض فلسطين.
واليوم، تنضم غزة الى كارثية العجز العربي، في الرؤية والفعل. وينعقد، من جديد، آخر الأمر على اوّله. ويندلع موسم آخر، من مواسم الشهداء.. وشتاء كثير، من بطولة العون والكلام.
في الخراب الكبير، وحين تتناثر عذابات الناس، في الطرقات، كالغبار، يجفُّ الصراخ على شفاه اصحابه، والخوف يستحيل الى وجع، بمذاق مختلف. وحدها الكرامة البدائية، للناس العاديين والفقراء والمظلومبين، تظل تحدّق، بذهول، في شظايا جسدها المبعثر. ولا يُسمع، من تلك الكرامة، إلا صراخ جفّ، لتوّه، في عيون ناجين، او كادوا، من تحت الدمار:.
- اقيموهم من الموت، من دون تمنين. او دعوهم يموتون، من دون رثاء.
-2-
كأن التنوير زرع التنصل فينا. فبتعميم المعرفة، وبالاعلام، الذي جفف الخيال، وصل الأمر بكل واحد منا، الى اعتبار سواه مسؤولاً عن رد الفعل، فصار من يزعم انه يرى كل شيء عاجزاً عن رؤية أي شيء.
-3-
هذا اللحم، الذي يُشوى على مناقلنا، لنا. واسياخ الشواء أعرناها، الى الجيران، قبل السبت. فمن حق من لَفَحهم ريح الشواء الآدمي ان يقولوا: وداعاً للقبيلة. والسلالة. وابن أمٍ.. تساقط بين قصيدتين، او قرب معبر.
في النار، وفي مرثية العنقاء، وفي الأناشيد التي بَهُتتْ، يُعدِّون التميمة، من غبار الدور، ومن رمادك. هُمْ يعجنون الملح، لصناعة الخبز المفخخ لك. ويتركون القمح، لصناعة البارود، عند العصر. أما أنا، فأسقط خلف اسئلة البديهة الاولى: اين شرقي؟ واين غربي من يساري؟ وهل يضيف الملح، الى مذاق الشاي، طعم البحر؟.
على ابواب قيامةٍ، في غزة، يتكاثر الشهداء، وتهوي حكايتنا الى بئرها الاولى. وعيون من قُتلوا، تزفُّ، حول النار نشيدها:.
سلاماً يا ايها الباقون.. هانت مصائرنا، على سلالتنا. فصرنا بعضاً من جناحي طائر ما زال يوجعهم..!؟.
FAFIEH@yAHOO.COM
الراي