نحو حكومة قادرة واستراتيجية وطنية
عدنان الروسان
05-08-2017 03:17 AM
أضحى من الواضح تماما للجميع الأسباب التي خلقت الوضع الاقتصادي و الاجتماعي المتردي الذي نعيشه في الأردن ، و بعيدا عن التراشق بالاتهامات التي ملأت المواقع الصحافية و الإعلامية و مواقع التواصل الاجتماعي ، إلا أن علينا بداية أن نقر بأمرين مهمين حقيقيين لأنه من دون الخروج من حالة الإنكار أو المراوحة في خانة النفاق السياسي ستبقى الأزمة تراوح مكانها ، أولا أننا نعاني من سوء في الإدارة السياسية و الاقتصادية و الثاني أن المجتمع يعيش حالة من الإحباط و اليأس و خيبة الأمل من الحكومات المتعاقبة و من كل مؤسسات الدولة مما انعكس على الأداء الوطني العام و أحدث شرخا بين المكونين الرئيسيين الأكثر أهمية للوطن الشعب و الحكومة الناظمة.
هناك مجموعة من العوامل إضافة إلى سوء الإدارة و فقدان الثقة بين السائل والمسؤول ساعدت على إطالة أمد الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية التي يعاني منها الأردن ، الأزمة المالية العالمية التي انعكست بصورة غير مباشرة على الأردن و كان لها أثرا مهما على سيل المساعدات الذي كان منهمرا و يكاد يجف هذه الأيام ، و عدم تمكن الحكومات المتتالية منذ الأزمة المالية العالمية على إيجاد و لو حلول جزئية لوقف الهدر الحكومي في الإنفاق ، و وقف نمو العجز في الموازنة و تعاظم الدين العام ، و تصرف الحكومات و كأن الدين الذي نقترضه من المؤسسات المالية الدولية و دول العالم لن يطالبنا به أحد.
و لوضع استراتيجية وطنية واقعية و فعالة و سريعة النتائج لا بد لنا من النظر في أوضاعنا الداخلية و الوضع الإقليمي و من ثم الوضع الدولي و حصر مواطن القوة لدينا و مواطن الضعف لدى الآخرين و أين و كيف يمكن أن نستثمر جهدنا و وقتنا و علاقاتنا بطريقة تعطي مردودا ايجابيا ينعكس على الوضع العام و يشعر المواطن البسيط بالفرق الذي أحدثته هذه الاستراتيجية .
و من أهم الأولويات و قبل البدء بأي خطوة لا بد لنا من حكومة و رئيس وزراء تتوفر فيهم المواصفات التي يمكن أن تكون ضرورية لبناء تلك الاستراتيجية و تنفيذها بفعالية ، و حتى نكون واقعيين و لا نطيش على شبر ماء ، فلن نطلب البحث عن عمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز أو عبد الرحمن بن محمد الأندلسي ، و لكن إذا كان لا بد من اختيار رئيس من النخبة السياسية فمن باب أولى أن نعطي الفرصة لرئيس شاب و نبتعد عن ديناصورات الحرس القديم ، و نوكل للرئيس أن يختار وزراءه بنفسه دون تدخل من أحد و أن يكون هناك فريق وزاري يريد بالفعل أن يخلق واقعا جديدا يبعث الأمل من جديد في نفوس الناس و أن يضع الأسس للاستراتيجية التي نتحدث عنها ، و يستفيد دون حساسيات من تجارب الدول الناجحة حولنا .
لا بد من الاستفادة من المتغيرات الإقليمية و الدولية و استخدامها و توظيفها لخدمة الاقتصاد الأردني و خلق فرص جديدة للإبداع الوطني الشبابي ، و التفاعل مع الآمال التي تكاد تخبو لأبناء الشعب الأردني و التماهي مع أداء الملك في الملف الأهم ، ملف الاستثمار ، و النظر إلى آفاق جديدة في هذا المجال ، و هناك ملفات و آفاق إذا ما تنبه لها الرئيس الجديد فإن الاقتصاد سينتعش خلال أشهر قليلة " و لا أدري لماذا تهملها الحكومات دائما رغم أنها واضحة تماما و لا تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة للاستثمار فيها " ، إن الاهتمام بموضوع الاستثمار بصورة إبداعية مع القطاع الخاص في بعض الدول العربية و الأوروبية و بعض دول أسيا و ربما الولايات المتحدة الأمريكية نفسها سيؤثر في ملفي البطالة و الفقر خلال فترة وجيزة جدا و يكسر حالة الجمود و المراوحة في المكان التي نعيشها.
لا بد من الاهتمام بالسياسات الاقتصادية و السياسات المجتمعية و إعادة هيكلة بعض القطاعات و النظر في بعض السياسات الاقتصادية و توظيف القدرات الإبداعية لبعض الأردنيين و إطلاق حملة وطنية تقودها الحكومة بهمة و اقتدار ، إضافة إلى العمل على إعادة النظر جذريا في السياسة الإعلامية للحكومة و التي من الممكن أن تساهم مساهمة كبيرة جدا لإعادة الثقة بمؤسسات الدولة المختلفة و على رأسها الحكومة ذاتها ، إن العمل السريع على معالجة الخلل الخطير في أداء الصف الثاني من المسئولين في القطاع العام ، و تحجيم دور قوى الشد العكسي في مجالات الاستثمار خاصة سيقود الأردن إلى وضع جديد وخلال فترة وجيزة يكون فيه قادر على تجديد شبابه و قدرته على التفاعل مع الداخل و الخارج.
الأمر ليس مجرد تنظير و حديث يتخطى الواقع و الإمكانات ، بل هناك وسائل و أدوات متوفرة لدينا لو أخرجناها و استخدمناها فسنرى أن لدينا القدرة على خلق ظروف جديدة تحسن من الوضع السياسي و المجتمعي و تعيد تلاحم المجتمع مع الدولة و الخوف عليها لا الخوف منها ، هناك حديث طويل و حوار مهم يمكن أن نبدأ به و ننجزه في فترة معقولة دون أن نغرق في التنظير و لا يتسع مقال في صحيفة للحديث في التفاصيل ، غير أنني تماما أن هناك إمكانية كبيرة جدا يمكن أن تحقق معجزة أردنية على غرار معجزات حققتها دول أخرى في السنوات الماضية لو توفرت الحكومة التي نتحدث عنها و رئيس شاب يمتلك حيوية و قدرة على الفعل و لديه الرغبة الصادقة في العمل و الإنتاج و أن يتفرغ هو و فريقه الوزاري لقراءة جادة للمجال الحيوي الجديد الذي نشأ في الفترة الأخيرة للأردن و الذي لم يتبنه إليه احد كما لم تعمل الحكومة على استثماره و توظيفه ليكون جزءا من العمق الاستراتيجي الأردني .
نحن بحاجة إلى تغيير ايجابي و بحاجة إلى الخروج مما نحن فيه و خير البر عاجله و سنحاول إلقاء الضوء على بعض الجوانب لهذه الرؤية التي نتحدث بها إذا اتسع الوقت و اتسع صدر عمون لها.