أسئلة الشارع برسم النظام العربي
د. محمد أبو رمان
04-01-2009 11:24 AM
أحسب أنّ خطأً فادحاً يقع فيه اتجاه سياسي باختزال حركة الشارع العربي ورسالته اليوم ضد عدوان غزة بأنّها صراخ وجعجعة، بلا وزن سياسي حقيقي، كما حصل في فترات سابقة.
أختلف، بصورة قطعية، مع هذا الاتجاه. فحركة الشارع اليوم تعيد القضية الفلسطينية إلى مسارها الصحيح وقد أفلس خيار التسوية. إذ تخلق غزة داخل الشارع العربي، وتحديداً الفلسطيني في كل مكان، روحانية نضالية جديدة تستعيد معها القضية الفلسطينية موقعها المعتبر المحترم، بعد أن تمرّغت كثيراً في الصراع الداخلي.
لست في موقع التنظير اليوم أو الوعظ! لكنّ التاريخ لا يُصنع بنظرة مغلقة محدودة بعدد الضحايا، إنّما بإدراك صيرورات التحول والانتقال بين لحظات تاريخية متغايرة ومتقابلة. والدلالة الأهم في معركة غزة تتمثل بالأبعاد الرمزية والمعنوية، فهي شطر لا يتجزأ من موازين القوى.
في المقابل، لن نكسب شيئاً إذا بقينا نلقي باللائمة على حماس. إنّما الوجهة المطلوبة لخطابنا السياسي والإعلامي تتمثّل بجعل هذه اللحظة التاريخية محطة نقدية صارمة لدى المواطن العربي إزاء الواقع البائس الذي آل إليه، وتسليط الضوء على مسؤولية النظام الرسمي العربي عن ذلك.
لا نعول على قدرات عسكرية في مواجهة إسرائيل، فخارج هذه الحسبة المختلة بامتياز؛ فإنّ ملحمة غزة تُشعل مزيداً من النار في قارب النظام الرسمي العربي المحترق، وهو نظام مأزوم، في إدراك الوعي العام العربي، تتراكم خسائره السياسية وتتعاظم ثغراته مع مرور الوقت.
بلغة السياسة، فإنّ حركة الشارع العربي تطرح سؤالاً يردده الملايين: إذا كان النظام الرسمي العربي قد وضع كل خياراته في مربع التسوية السلمية، وطرح مبادرة سلام تمثل السقف الأعلى الممكن للتنازل، وأمّل كثيراً على الرئيس الأميركي بوش، ولم يُجد ذلك كله نفعاً أمام التعنت الإسرائيلي، وعاد قادة العرب من اجتماع أنابولس بخُفي حنين، فما هو بديل النظام العربي اليوم؟!
لنفترض أنّ ميزان القوى في صالح إسرائيل (وحليفها الأميركي) وأنّ المواجهة المسلّحة العربية المباشرة معها خاسرة، فلماذا لا تبتكر الحكومات العربية أدوات وخيارات جديدة تساعد على تحسين شروط المفاوضات السلمية.
هل نهاية حماس وتفكيكها في غزة يعزز ميزان القوى العربي أم يخدم بنيوياً الموقف الإسرائيلي؟! وإذا كانت هنالك نظم عربية تخشى إيران أكثر من إسرائيل، فلماذا لا تدعم هي حزب الله وحماس أو تُنوع أدواتها وسياساتها، وتخلق واقعاً جديداً من دون التورط في حرب عسكرية مباشرة؟!
إذا تخلينا عن كل تلك الأسئلة باعتبار "مثاليتها" المفرطة! فهل يعدم النظام العربي اليوم أي وسيلة ضغط ضد إسرائيل سوى اللجوء إلى الإدارة الاميركية، كالمستجير من الرمضاء بالنار. لماذا لا يتبنى النظام الرسمي العربي اليوم مشروع "الانتفاضة السلمية الثالثة" ودعم الصمود الفلسطيني وإدامته وتسويق القضية الفلسطينية سياسياً ودولياً في مواجهة الاحتلال الغاشم؟!
إذا نفضنا أيدينا من كل ذلك، وقبلنا بمنطق الرضوخ الكامل لخيار التسوية في ذمة المجهول، فإنّ من حق الشارع التساؤل عن جدوى الإنفاق العسكري الهائل على الجيوش العربية، والذي يستهلك عشرات البلايين سنوياً.
يسأل المواطن العربي، ما دمنا ألقينا السلاح، لماذا هذا الهدر.. لمن وضد من؟!
للتذكير، فإنّه في عام 2007 وحده، كان نصيب الإنفاق العسكري من ميزانية ثلاث عشرة دولة عربية فقط ما يقارب من ثلاثة وستين بليون دولار ونصف البليون (فيما البقية: الرقم غير معلن). بينما وصل الإنفاق الإسرائيلي (12.233) بليون دولار (بالأسعار الثابتة لعام 2005)، بحسب تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي!
الغد.