كثيراً ما يتحير المريض المُشافى كيف يرد على طبيبه بهدية تعبر عن إعجابه وامتنانه له على شفائه. وفي بريطانيا يعتبر ذلك ممنوعاً في إطار مشروع الصحة الوطني. سألت يوماً الدكتور وسام قندلا الذي يعمل ضمن هذا المشروع، كيف أرد الجميل لطبيبي الذي أرهقته بمراجعاتي؟ فقال: انتظر حتى يتزوج ثم قدم له هدية بالمناسبة. قلت له إنه متزوج مسبقاً. قال إذن انتظر حتى يطلق. وبين هذا وذاك، سيمكنك أن تستغل فرصة أيام الكريسماس فتقدم له هدية بسيطة كعلبة سيجار أو قنينة عطر. سيقبلها منك شاكراً.
بيد أن الموضوع متيسر بالنسبة للشعراء. فلا أحلى على الطبيب من تسلم قصيدة ظريفة من شاعر يشيد به ويثني على عمله. هذا ما حدث للدكتور محمود الهاشمي، الاختصاصي بأمراض العيون. زاره في بغداد صديقه الشاعر المحامي موسى الشماع فأجرى له عملية في عينه اليمنى وتكللت بالنجاح التام. بعد سنوات أصيبت العين اليسرى بالعلة نفسها. وفي ذلك الوقت أخذ الناس يحتقرون الطبيب ابن الوطن ويذهبون إلى لندن أو فيينا أو أميركا. هكذا فعل موسى الشماع فأجرى له العملية أحد الأطباء الخواجات في لندن. وشاءت الأقدار أن تفشل العملية ويحصل انفصال في الشبكية. عاد إلى بغداد وتذكر فضل صديقه محمود الهاشمي فبعث إليه بقصيدة قال فيها:
كل شيء بقضاء وقدر
نفد الصبر إلى أين المفر؟
يا طبيب العين «محمود الأثر»
أنت لي نور إذا الدهر غدر
قد حباك الله حذقاً مبتكر
يدك البيضاء نبراس البصر
يا طبيب العين أصدقني الخبر
ليس في جسمي من الداء أثر
هكذا التحليل قد أنبأنا
أن هذا الأمر هم وكدر
أنا أدري بالذي ما قد جرى
إن بركاني لعيني انفجر
ليس من يحمل قلباً نابضاً
مثل من يحمل قلباً من صخر
ليس من يجني ورداً عاطراً
مثل من يجمع شوكاً كالإبر
يا طبيباً بارك الله به
وحمى أولاده من كل شر
البصر عنصر مهم عند الشعراء فيه يقرأون ما فاتهم ويتمعنون بما حولهم، فكما فعل موسى الشماع فعل ذلك من قبل شمس الدين البغدادي عندما عالج عينيه صديقه الطبيب عمر رشيد الدين فشكره بأبيات منها هذان البيتان:
لسديد الدين في الطب يد
لم تزل تنقذ طرفاً من قذى
كم جلت عن مقلة من ظلمة
وأماطت عن جفون من أذى
كثيراً ما يصبح المرض همزة وصل بين الشاعر والطبيب. ومن الملاحظ أن معظم الشعراء دأبوا على اختيار طبيب يتذوق شعرهم. هكذا أصبح البروفسور هاشم الوتري صديقاً للجواهري. وأصبح الشاعر العباسي كشاجم صديقاً للطبيب الذي عالجه.
الشرق الأوسط