تشريع يُنصف النساء في الأردن: المغتصِب مجرم
د. موسى برهومة
04-08-2017 02:56 AM
بعد نقاشات ماراثونية دامت أعواماً، وافق مجلس النواب الأردني على إلغاء المادة 308 من مشروع القانون المعدل للعقوبات لعام 2017، التي تُعفي المغتصب من العقوبة في حال زواجه من الضحية. وكانت المادة قبل الإلغاء تجيز تزويج المغتصب للمغتصبة، وإيقاف الملاحقة بحق المعتدي حال وجود عقد زواج صحيح لم ينتهِ بالطلاق من دون سبب مشروع قبل انقضاء ثلاث سنوات على الجنحة وانقضاء خمس سنوات على الجناية من تاريخ إبرامه.
وكان مقدّراً لهذه المادة أن تُلغى منذ زمن لولا الإعاقات الاجتماعية التي كانت تختبئ وراء زعم حماية الفتاة المغتصبة ومنع ذويها من قتلها. ولم يكن أصحاب هذا الرأي يعلمون بالنتائج التي أثمرت عن تلك المادة «سيئة الصيت»، والتي جعلت الضحية وفي الأغلب تكون فتاة صغيرة أو قاصراً، ضحية مرتين، مرة باغتصابها، ومرة بتمكين المجرم من الإفلات من العقاب ومكافأته بالزواج. لذا راحت فتيات معارضات للمادة المذكورة يرفعن يافطات تهكميّة تقول «اغتصب وتزوّج ببلاش»!
خطوة جيدة بالاتجاه الصحيح يسلكها المشرّع الأردني لمصلحة إنصاف النساء، بعد أن كان ألغى أيضاً الفقرة (1) من المادة 98 من قانون العقوبات التي تمنح المجرمين عذراً مخفّفاً عند ارتكاب جرائمهم، تحت ما يُعرف بـزعم «الدفاع عن الشرف». لكنّ طريق تحرير النساء طويل ومرهق، لأنّ الأهم من تغيير القوانين تغيير العقليات وتحديث طرائق الفهم، وعصرنة روح المجتمع.
الأردن، الذي جعلته الظروف الاقتصادية والانتكاسات الفكرية والهزائم السياسية والحروب في الجوار، تميل حال النساء فيه إلى الانكماش والتحفظ، لا سيما بعد علوّ أصوات أنصار تيارات الإسلام السياسي، وشيوع قيم تضغط على المرأة في شكل قهري، وهو ما يتمثل في ازدياد معدلات الحجاب أو غطاء الرأس لدى العديد من الفتيات والنساء اللائي لا يفعلن ذلك لدواعٍ دينية، وإنما بسبب إكراهات اجتماعية صارت تضاهي بين حاسرة الرأس وبين المتحرّرة أو المتحلّلة أخلاقياً!
وبعيداً من التصورات الشعبية لأحوال النساء في الأردن، فإنّ دعاوى تمكين المرأة رسمياً لا تتعدى الشعار، بدليل عدم مراعاة القوانين ظروف المرأة، وعدم توفير فرص أمامها للمشاركة في صناعة القرار، وفي مقدمة ذلك قوانين الانتخاب للبرلمان والمجالس البلدية، حيث من النادر، أن تفوز امرأة بعيداً من الكوتا النيابية، لأنّ القانون الانتخابي لا يشجّع على مشاركة النساء، أو لا يوفر تسهيلات تجعل النساء يفزن عبر التنافس الحر.
صورة المرأة في الإعلام ووسائل التثقيف والمناهج المدرسية (حتى بعد تعديلها) لا تزال ترزح تحت نير تصورات لا صلة لها بالحداثة. صارت تظهر صور لنساء في المناهج المدرسية حاسرات الرأس، بشعر منسدل على الأكتاف، لكنّ المدرّسات والمدرسين يؤكدون للطلاب أنّ هذا يتعارض مع الدين والقيم والعادات. كانت إحدى المدرّسات تصف المسيحيين بـ «النصارى الكفار»، وتحضّ الفتيات الصغيرات على الصلاة، وارتداء الحجاب، وإلا شُوين بنار جهنم!! ولا من رقيب على هؤلاء الذين ينفّذون «استراتيجية» التعليم في الأردن، حيث يسيطر الإسلاميون على نقابة المعلمين التي أحرق أفرادها المناهج المدرسية المعدّلة، احتجاجاً، رافعين يافطات من قبيل «لن ندرّس علمانيتكم»!
لا بأس من بعض أمل يرنو إلى نصف الكأس الملآن، لكنّ ملء النصف المتبقي يحتاج إلى تضحيات كبيرة وكفاح مدني يضع النساء على درب الإنصاف الحقيقي الذي يرى ناشطون بأنه ينبغي أن يشمل المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، وأن يحدّد تعدّد الزوجات، ويجعل الإساءة إلى النساء والتحرّش بهن وإيذاء مشاعرهن والتضييق على حريتهن أمراً يجرّمه القانون. وتلك قواعد ضرورية إذا شئنا أن نحلّق مع الشاعر أراغون وهو يهتف «المرأة مستقبل العالم»!
الحياة اللندنية
* كاتب وأكاديمي أردني