المثقف في المجتمعات المتقدمة يمثل سلطة العقل والنقد ، وهو بما يملكه من مقدرة فكرية على التحليل وتقديم "الرأي" يحتل مكانةً لا يستطيع أي كان أن ينازعه إياها ، وفي المجتمعات المتقدمة ترى صورة المثقف في الذهنية المجتمعية تمثل ذلك الإنسان الذي ينعم بحياة ٍ كريمة ٍ ويعكس مظهره ومضمونه صورةً عما يمتلكه من فكرٍ أو منتجٍ إبداعيٍ كالكتاب والمقال والقصيدة وغيرها من مجالات الإبداع .
عربياً ومحلياً ، ترى صورة مغايرة ً عن تلك الصورة التي تتشكل في المجتمعات المتقدمة ، فتأمل معي أيها القارئ تصوراً عن بعض المثقفين لدينا ، فغالباً ما تكون الرتابة غائبة وترى ملامح البؤس طاغية على بعضهم، هذا المشهد ، أو هذه المفارقة المثيرة للدهشة حيناً والحزن أحياناً ، تعبر عن تشوه صورة المثقفين في مجتمعاتنا العربية ، إذ ترى كثيراً من مثقفينا وكأنهم يحملون غبار الزمن وهمومه فعلاً، ولربما نمتلك واقعاً ليس بمريحٍ محلياً وعربياً ، ولكننا نفتقد صورة الحياة ونضارتها لدى كثيرٍ من مثقفينا ، وهذه الصورة أو الانطباع ذات أهمية ٍ كبيرةٍ ، فإذا كان لكل سلطة صور من التعابير ، فإن صورة المثقف هي تعبير عن ما يملكه من مخزون فكريٍ ونقديٍ .. وحتى بعض مبدعينا يحاولون رسم صورة مغايرة لا تتماهى وطبيعة مجتمعاتنا.
هذا الأسلوب الذي له رواسب ماضية في تاريخنا العربي يذكرنا بالصعالكة الذين لعبوا دوراً هاماً في التاريخ الأدبي، إذ ما يزال البعض يستجرها ، رغم أن الكلمة حياة والإبداع أيضاً روح ، وهذه المفردات تنزع للبناء ولأن تكون نضرة .. فالمثقف مطالب بأن يبعث الأمل، ويبحث عن خطى النهضة، وألا يزيد بؤس المجتمع والعامة، ويخلق لديهم تصوراً يجعل الناس تنفر من موضوع الثقافة والإبداع ككل ... فالدعوة اليوم لمعشر المثقفين أن يحاولوا إعادة صياغة الصورة النمطية لدى المجتمع عن كثيرٍ منهم، وأن نتجاوز حدود البؤس إلى آفاق الحياة ..
ثم أليس مثقفو الحياة وأدباؤها هم أصحاب التجارب والأقلام التي عاشت طويلاً في وجدان الناس؟ وأليس الفرح ثقافة أيضاً بحاجة لمن ينظر لها ويحاول كسر العبوس عن كثير من الوجوه؟ والأمل أيضاً والمحبة هي مفردات بحاجة لمثقفين يبثون فيها الروح ويبتعدوا عن الانغلاق؟
كما أن الحوار وقبول الآخر هي أبجديات لنشر الثقافة بات يحد منها أسلوب كثيرين، بما يجعل الناس ينفرون منهم ومن كتاباتهم وخطابهم ..
نحن اليوم أحوج ما نكون إلى بث خطاب الفرح والأمل لدى الناس وهذه بذارها في عقول المثقفين الذين ينزعون إلى الحياة .. !