قطاع النقل العام مجدداً .. بين الكلي الشمولي .. والجزئي المتخصص
المهندس محمد النجداوي
03-08-2017 01:40 PM
لعل قطاع النقل العام وهمومه خاصة في العاصمة عمان أخذ اهتماما كبيرا من كافة الجهات الرسمية وغير الرسمية لما لهذا المرفق الحيوي من أهمية في تخفيف الآثار السلبية (ازدحامات مرورية، انبعاثات عوادم المركبات، استهلاك الطاقة )وبالتالي تحسين نوعية حياة المواطنين الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الدراسات والأبحاث والخطط والمشاريع والمشاكل والحلول والاتفاقيات المتعلقة بهذا القطاع وعقدت المؤتمرات وتم نشر ذلك من خلال الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، واسهب الدارسون والباحثون والخبراء والمسؤولون بالتفاصيل التقنية المتخصصة وصولاً إلى المشاريع المستقبلية والطموحات والتطلعات، دون أن يلمس متلقي الخدمة اية حلول على ارض الواقع، حيث المشاريع حبر على ورق أو بدأ العمل بها ولكنها متعثرة لسبب أو لآخر، مما افقده الثقة في مشاريع النقل العام وأصبح ينظر إليها على أنها رغبات، أمنيات، أحلام، وتم إسقاط عامل الزمن في هذه المشاريع حيث بعضها مضى على فكرته عدة عقود والبعض الآخر متوقف العمل به عدة سنوات، ومشاريع مستقبلية طموحة يحتاج تنفيذها أيضاً عشرات السنين، وما زلنا حتى الان نسمع جعجعة ولا نرى طحنا، الدراسات والاحصاءات تقول ان (80%) من المركبات الخاصة لا يوجد بداخلها إلا راكب واحد فقط وهذا مؤشر واضح على فقدان الثقة بالنقل العام.
متلقي الخدمة لا يهمه التفاصيل الجزئية والحديث عن خدمات نقل حضرية عصرية ذكية وحافلات مزدوجة أو فردية نظيفة ومكيفة آمنة سريعة ذات أوقات تردد منتظمة ودقيقة صديقة للبيئة، ولا يستهويه الملكيات الفردية أو الجماعية ومشاكل المنظمين والمشغلين وكل ما يتعلق بالخطط التنموية والخطط الشاملة و الخطط الاستراتيجية والمخطط الشمولي للمدينة واجزاءه المتعلقة بالنقل العام والشبكة العنكبوتية للطرق وخلافه، متلقي الخدمة أو المواطن الأردني بحكم وعيه وانتمائه لن يتردد في ركن مركبته الخاصة جانباً واستخدام وسائل النقل العام إذا توفرت له على ارض الواقع بالمواصفات التي تتحدث عنها كافة الجهات المعنية بالنقل العام وذلك بهدف توفير الوقت والجهد والمال وما يترتب على ذلك من تحسين نوعية الحياة له كما ذكرنا سابقاً.
قطاع النقل العام في الأردن يعاني من مشاكل مختلفة منها ما هو عام شمولي ومنها ما هو جزئي متخصص، أما المشاكل الجزئية المتخصصة وكل ما يتعلق بتفصيلاتها وهي كثيرة ومتشعبة والعمل على تشخيصها وإيجاد الحلول لها فهي من مهمة الوزارات والمؤسسات والهيئات ذات الصلة بقطاع النقل العام.
وسأكتفي هنا بالتصدي لما هو عام شمولي، حيث تشير الدراسات إلى أن أبرز التحديات التي تواجه قطاع النقل العام في الأردن هي أن "القطاع لا يعتبر اولوية للدولة ولا يحظى بأي شكل من الأشكال بنفس درجة الاهتمام المعطاة للهموم الوطنية الأخرى مثل الأمن، الدفاع، التعليم، الصحة، وجذب الاستثمار.
وكما هو معروف فإن كثيراً من الحكومات في العالم تخسر على قطاع النقل العام ولا تستهدف الربح من ورائه وذلك لانعكاساته الإيجابية على كافة مناحي الحياة مستقبلا، لذلك أقترح على الحكومة العمل بشكل جاد وفاعل على ما يلي :
أولا :استكمال القوانين والتشريعات المتعلقة بقطاع النقل ومنها على وجه الخصوص قانون النقل العام.
ثانيا :تحديد الصلاحيات وحصرها بجهة معينة وعدم تركها موزعة بين عدة جهات حكومية وذلك لإنهاء حالة الإهمال والبعثرة التي يعاني منها القطاع.
ثالثاً : إعادة بناء شبكة النقل العام اعتماداً على شركات قادرة على تقديم الخدمة بجودة عالية وليس اعتماداً على أفراد، حيث الملكية الفردية تشكل (86%)وهي غير منظمة وتمثل ارثا ونتاجا لسياسات خاطئة في الماضي ويمكن ذلك عن طريق شراء هذه الملكيات الفردية.
رابعاً : إلزام البلديات وأمانة عمان الكبرى بضرورة تطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بالأبنية والتنظيم بشكل صارم وذلك من خلال :
• تأمين مواقف سيارات لكافة المشاريع حسب متطلبات النظام.
• في حال تعذر تأمين مواقف سيارات لأسباب مبررة في النظام يتم استيفاء رسوم بدل مواقف سيارات على أن توضع هذه الأموال في صندوق خاص ليصار فيما بعد العمل على تأمين مواقف سيارات عامة مكشوفة أو مسقوفة ضمن ساحات أو أراضي خلاء أو أبنية للمواقف متعددة الطوابق فوق أو تحت مستوى سطح الأرض.
• عدم منح رخص أبنية لمشاريع الأبنية العالية إلا في الأماكن المخصصة لذلك تنظيميا.
• عدم منح رخص أبنية للمشاريع الاستثمارية الكبرى كالمولات مثلاً داخل المدينة بل على أطرافها وبالقرب من الطرق الرئيسية والنافذة مع ضرورة إلزام مالكيها تقديم دراسة توضح الأثر المروري لهذه المشاريع وذلك من قبل جهات مختصة قبل ترخيصها.
خامساً : دعم البلديات وأمانة عمان الكبرى في بعض المشاريع الخاصة والهامة حيث لا يخفى على احد الأوضاع المالية الصعبة لهذه البلديات وموازناتها تعاني من عجز مالي لا تستطيع معه تنفيذ هذه المشاريع وذلك عن طريق دعمها المباشر من موازنة الدولة أو الايعاز لوزارة التخطيط ضرورة تأمين منح أو قروض ميسرة لها ،سأضرب أمثلة على ذلك في مدينة عمان على سبيل المثال لا الحصر، فهذه المدينة اسست تخطيطياً على نوعين من الطرق هما الطرق الشعاعية والطرق الدائرية، أما الطرق الشعاعية فهي التي تربط مركز ووسط المدينة مع خارجها، والطرق الدائرية هي التي تربط المدينة بشكل دائري التفافي حول مركزها، والغريب ان أجزاء هامة من هذه الشبكة لم يكتمل بعد لصعوبات مالية ومنها :
• الطريق الدائري الأول في عمان بعد تنفيذ نفق وادي الحدادة يحتاج حتى يستكمل إلى نفقين أحدهما اسفل جبل اللويبدة والآخر اسفل جبل عمان حتى يصل منطقة رأس العين.
• إنشاء نفق يصل شارع الأردن "الشعاعي "عند تقاطعه مع جسر رغدان بشارع الجسور العشرة "الشعاعي "عند تقاطعه مع شارع اليرموك.
وكلنا لاحظ أهمية الجسر المعلق فوق شارع الأميرة بسمة والنفق تحت ميدان القاهرة "دوار عبدون "وعلى امتداد شارع الأمير هاشم بن الحسين الذي ربط ميدان الأمير غاري بن محمد "الدوار الرابع "بوادي عبدون مخترقا جبل نزال وصولاً إلى شارع القدس _دوار الشرق الأوسط _شارع اليرموك _تقاطع جسر النشا _شارع الاستقلال _دوار جمال عبد الناصر "دوار الداخلية "وصولاً إلى الدوار الرابع مما أدى إلى استكمال إحدى الطرق الدائرية المهمة في عمان وربط شرق المدينة بغربها.
سادساً : استكمال مراحل الطرق الدائرية النافذة وهي من مهام ومسؤولية وزارة الأشغال العامة والإسكان :
• ممر عمان التنموي _شارع المية.
• طريق إربد الدائري.
• طريق السلط الدائري.
سابعاً : استكمال مراحل مشروع باص التردد السريع في عمان المتعثر منذ عدة سنوات لسبب أو لآخر دون الدخول في تفاصيل ذلك علماً أن الدراسات الفنية واللجان المتخصصة اثبتت جدواه وأهميته.
ثامناً : استكمال مشروع باص التردد السريع بين عمان والزرقاء وربطه مع المشروع المماثل له في عمان.
تاسعاً : استكمال مشروع القطار الخفيف بين عمان والزرقاء على أن لا يكون مشروع باص التردد السريع بديلا له بل يتم العمل عليهما بشكل متوازي علماً أن هذا المشروع على أهميته بدأت فكرته عام 1995 وتم طرح عطاؤه عدة مرات وما زال لم يرى النور بعد ،وذلك بعد مرور عقدين ونيف عليه.
عاشراً : استكمال تبادل الخبرات والدراسات والاتفاقيات مع الجهات والشركات الأجنبية الممولة والمنفذة والمستثمرة في مشروع مترو الأنفاق في عمان .
ولتحقيق كل ما ذكر آنفا وما يمكن اثارته من قبل المختصين والخبراء والباحثين في مجال النقل العام أقترح على الحكومة تشكيل لجنة عليا للنقل العام مهمتها التخطيط والتوجيه والتنسيق والمتابعة.