الاردن الذي سمح لطاقم السفارة الاسرائيلية، بالمغادرة، اعلن انه لن يسمح بعودة هذا الطاقم اضافة الى السفيرة، الا اذا اتخذت تل ابيب اجراءات فعلية، بحق الذين تسببوا بمقتل اردنيين اثنين، اضافة الى ملف القاضي رائد زعيتر، الذي اهملته اسرائيل كل هذا الوقت، دون ان تقدم، اي تفاصيل او معلومات حوله.
هذا يعني فعليا، ان الاردن ولأنه اعلن ذلك، لن يسمح بعودة السفيرة وطاقهما، الا اذا اتخذت اسرائيل اجراءات، فما هي هذه الاجراءات، التي ستكون مقنعة للاردن؟!
في ملف زعيتر، ذهبت القضية، ادراج الرياح، ولم تعلن اسرائيل اي نتائج للتحقيقات، وبقي الرأي العام في الاردن، يسأل عما حدث، دون اجابات، لان الواضح ان المنطق الاسرائيلي يستند على مبدأ واحد، حق العسكري الاسرائيلي، بالقتل، فورا، لاي سبب، وعند اي شك، واسرائيل هنا، لا تريد اعلان النتائج، ولا تحميل العسكري الذي قتل زعيتر اي مسؤولية، لانها بهذا ووفقا لمنطقها، تسبب احباطا عند بقية جندها، بما يؤثر على اتخاذ القرار ميدانيا، من جانب هؤلاء، وهذا يعني فعليا، حماية القاتل.
ذات المبدأ يتكرر في قضية الاردنيين الاثنين الذين قتلا على يد عنصر امن السفارة، وليس ادل على ذلك، من احتفاء نتنياهو به، في سياقات ارسال ذات الرسالة للمؤسستين العسكرية والامنية الاسرائيلية، اي ان القاتل تتم حمايته، وعليه ان لا يخشى النتائج، في ظل حماية هذه الحكومة لكل فرد.
لن يكون بإمكان نتنياهو اتخاذ اي اجراء عقابي ضد قاتل الاردنيين في السفارة، فهو هنا، سوف يناقض نفسه، بعد ان احتفى بالقاتل، في سياقات رفع شعبيته، من جهة، وتأكيد ذات رسالة الحماية لاي رجل امن، او عسكري، وهو امام مأزق لانه اذا قرر التراجع تحت وطأة الرغبة بإعادة السفيرة وطاقمها، سوف يدفع الكلفة السياسية، من جانب خصومه السياسيين في اسرائيل، وهو ايضا، سوف يخسر تحالفات لحكومته مع تيارات وكتل في الكنيست، اضافة الى موقف المتدينين الاسرائيليين، والاعلام الاسرائيلي.
هذا المأزق، يعرفه نتنياهو منذ البداية، وهو لا يراه مأزقا، الا من باب وجود السفارة، او عدم وجودها، وتضرر العلاقات الاردنية الاسرائيلية، التي لم تكلفه حتى اعتذارا علنيا عن فعلة عنصر الامن، ولا وجد طريقا لتسوية الملف مع الاردن، بطريقة مناسبة.
ما الذي سيفعله نتنياهو اذا، الارجح اننا امام سيناريو محدد، يقول ان اسرائيل سوف تفصل بين الاردنيين الاثنين في الحادثة، عبر التأكيد على ان الاول، حاول استعمال اداة حادة لايذاء او قتل عنصر الامن الاسرائيلي، الذي كان في وضعية الدفاع عن النفس، وان كان بشكل مبالغ فيه، وكان ممكنا ايقافه، بدلا من قتله، فيما ستقر اسرائيل بحقيقة مقتل الثاني، خلال الاشتباك، وبشكل خاطئ، ودون تعمد، جراء اطلاق النيران، وقد تستعمل اسرائيل دليلا على ذلك، بالقول ان عنصر الامن، لو كان يتقصد قتل الاول والثاني، فلماذا ترك الثالث، اي السائق، الذي توارى في احدى الغرف، وفقا للروايات التي تسربت.
معنى الكلام، ان اسرائيل ستلجأ الى مبدأ تقسيط المسؤولية، وتصنيفها بثلاث درجات، دون ان تتحمل المسؤولية بشكل عام، وبحيث تهرب الى التعويض المالي، او اعفاء عنصر الامن من مهامه، في الحد الاعلى، مع الضغط على الاردن، عبر عواصم ودول، من اجل قبول هذا الشكل، من ادارة الازمة، واعادة السفيرة وطاقمها.
لكن اسرائيل تنسى في خضم كل هذا، ان المشكلة، اعمق واعقد، فهي مشكلة الوجود الاسرائيلي، في الاردن، وكيف يمكن لاسرائيل ان تأمن على طواقمها، حتى لو عاد افراد هذه البعثة، وهذا هو السؤال الذي تتجنب تل ابيب الاجابة عليه، وتتشاغل اليوم، فقط، بالكلام عن عودة الطاقم، او عدم عودته.
في كل الاحوال، الاردن، على حساسية موقفه، وحساباته، لا يمكن ان يعود الى الرأي العام ويعلن عن عودة السفارة، دون ان يكون بين يديه، سبب مقنع، لهكذا خطوة، وهذا يعني فعليا، ازمة جديدة، تتنزل على رأس نتنياهو، وليس على الاردن.
الدستور