سأروي ما حدث في تلك الليلة بلا زيادة او نقصان، فقد عادت حفيدتي مع الاسرة من حفل زفاف في صالة فندق من فئة الخمس نجوم، وفجأة بدأت تصرخ من شدة الالم في بطنها، فذهبنا بها الى مركز للطوارىء وكانت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، كتب لها الطبيب وصفة لتهدئة الالم او ايقاف المغص كما قال والذي نتج عن تناولها الطعام شأن الاخرين .
ومنذ الثالثة وحتى الخامسة طرقنا ابواب صيدليات مناوبة منها الكبير ومنها الصغير، ولم نجد الدواء، لكن احد الصيادلة اشفق على الطفلة وقرر ان يحضر لها دواء من اعشاب معينة تعينها على احتمال الالم .
وحين عدنا الى البيت قلبت مكتبتي رأسا على عقب بحثا عن مقال كتبه الفرنسي ريجيه دوبريه قبل اكثر من اربعين عاما بعد زيارة لبعض العواصم العربية وكان دوبريه مثقفا يساريا شارك في ثورة مايو عام 1968وسُجن في فرنسا كما انه كان مقربا من كاسترو وجيفارا .
قال دوبريه ان اول ما لفت انتباهه في العواصم العربية التي زارها الصيدليات والمكتبات، فالصيدليات بدأت تهتم بأدوات التجميل والمساحيق والريجيم او الترشيق والاكسسوارات اكثر من اهتمامها بالدواء، اما المكتبات فقد بدأت تطرد الكتب عن رفوفها لتحل مكانها الهدايا والالعاب وادوات الترفيه، ورأى في هذه الظاهرة بداية ما سيتعرض له العالم الثالث من تفريغ الوعي وقلب قائمة الاولويات بحيث يصبح الاساسي ثانويا والعكس صحيح، ولم يكن دوبريه قد شاهد الانفجار الفضائي وموجات الموبايل ووظائفه، كما انه لم يشهد تسميم وسرطنة الاغذية بمختلف انواعها من اجل الربح السريع .
والصيدلية الاولى التي طرقنا بابها واعتذر من يتولى ادارتها عن عدم وجود الدواء للطفلة تضم على الاقل ستين صنفا من الشامبو واكثر من ذلك من انواع الصابون والمساحيق ومختلف اصناف الادوات الرياضية المخصصة لانقاص الوزن، واكثر من عشرين نوعا من معاجين الحلاقة والامشاط ولوازم تنسيق الشعر .
شكرا لريجيه دوبريه فقد رآنا قبل ان نرى انفسنا في مرايا مكسّرة !!الدستور