هذا كتاب ربما لم تحتو كتب المكتبة الأردنية نظيرا له: انه كتاب (زراع الحياة، لمؤلفه بطرس اسحق الحمارنة). وهذا الكتاب يمثل الشخصية الأردنية عموما والعسكرية خصوصا. خاض مؤلفه حرب عام 1948 ، لكن بعد ان استقال من الجيش احتجاجا على عدم قبول قائد الجيش البريطاني غلوب باشا ان يحوله الى عسكري مقاتل. خرج من الجيش غاضبا: كان نداء الوطن والرغبة في قتال العدو على ارض فلسطين وتحريرها قد استحوذت على كيانه درجة ان لم تعد له رغبة في مواصلة الخدمة في الجيش الذي يرفض ان يوليه أسمى المناصب، اي: جندي مقاتل على خطوط الجبهة الأمامية. استقال نهاية عام 1947 وخرج من الخدمة غير آسف رغم ضيق ذات اليد وغاضبا.
توجه الى القدس للانضمام الى الفدائيين (ص 58) فذهب الى مكاتب الهيئة العربية العليا في القدس القديمة وقابل المسؤول عن الامور العسكرية يقول « واقترحت عليه ان اقوم بتدريب سرية مشاة خفيفة يكون الهدف منها السيطرة التامة على خطوط المواصلات في فلسطين لشل حركة النقل للجيش البريطاني وشل حركة وسائل النقل اليهودية ايا كان نوعها». لكن هذا الأقتراح جوبه بشيء لم يكن في الحسبان: «لقد كانت المفاجأة صاعقة عندما سألني ذلك المسؤول عن السلاح والذخيرة التي يجب ان يزود بها الفدائيون الذين ارغب في تدريبهم. أجبته بان هذه مسؤوليتك أنت...فرد علي قائلا: بانه لا يستطيع ان يهيئ السلاح والذخيرة والأموال ، وأضاف: عليك تدبر أمر الذين ترغب بتدريبهم بالرواتب والسلاح والذخيرة».
رجع بطرس الى مادبا بعد فترة فوجد ان الرائد علي الحياري من الجيش العربي اتصل باحد اقربائه طالبا عودته لصفوف الجيش الذي كان يعد لحرب عام 1948 في فلسطين. وعاد الى الجيش مترجما كما كان في السابق: «لكنني لما علمت بان الكتيبة سوف تشترك في القتال في فلسطين... شعرت انها فرصتي التي طالما انتظرتها لأشارك في القتال لتحرير فلسطين...فتوجهت الى الرئيس مصطفى الخصاونة، أركان حرب الكتيبة، الذي توطدت علاقاتي معه أثناء عملي في الكتيبة...وشرحت له رغبتي في القتال مع الكتيبة على أرض فلسطين» (ص 66).
أخذه الرئيس الخصاونة الى عمان لمقابلة حسام المفتي مدير السجل وشرحا له رغبة الحمارنة بالقتال في الصفوف المحاربة فقال لهما: «أنا لا استطيع ان اعطيه اي رتبة وهذه كلها مسؤولية الباشا، اي كلوب باشا. عندها قلت له: انا لا يهمني ان أكون عريفا أو أي شيء... فهمي الوحيد من التجنيد هو المشاركة في القتال ، وأنا لآ أريد ان أخسر هذه الفرصة الثمينة، اريد ان اقاتل وأكسب هذا الشرف». وقبل طلبه هذه المرة وعين وكيلا في كتيبة المدفعية التي كان قائدها الضابط البريطاني هيرست الذي عينه ضابط موقع.
ويوم 15 أيار 1948 اجتازت وحدته جسر دامية متوجهة الى نابلس ثم رام الله. «وكانت الطلقات تصرف بطريقة سيئة جدا، وكان التقنين يغيظ كل المدفعيين، وعرفنا السبب مما قاله القادة الانجليز بان ذخيرة المدفعية (25 رطل) صودرت من قبل الحكومة المصرية». طبعا كان الانجليز يعرفون ان هذه الشحنة لو وصلت الى الجيش العربي لكانت لها نتائج خطيرة على اليهود وربما لغيرت سير المعارك، فأوعزوا للمصريين المرتبطين معهم بمعاهدة ليصادروها. عمل الحمارنة على الجبهة ضابط اشارة ودك مواقع العدو. كان ماهرا في تحديد المواقع، وكانت اصابات مدفعيته تدمر أهدافها وتلحق بالعدو الصهيوني أشد الخسائر.
وهكذا عاد الضابط بطرس حمارنة ، ابو مصطفى، الى صفوف الجيش العربي مقاتلا اشترك مع رفاقه في خوض معارك الشرف التي حققت النصر وابقت الضفة الغربية عربية اردنية حتى نكسة عام 1967.
بعد الحرب وتقديرا لخدماته الكبيرة رقي بطرس الحمارنة في الجيش العربي وعين في مناصب عسكرية كان ابرزها آمرا للكلية الحربية.
الراي