الانحدار من الخلل نحو الفشل
د.طلال طلب الشرفات
01-08-2017 12:17 PM
الحالة السياسية الاردنية بائسة ، وحالة الجذام الفكري والاخلاقي تعتري اركان النخب في المعارضة والموالاة على حدٍ سواء ، بعد ان فشلت القوى السياسية في تسويق خطاب مقنع يتجاوز خطاب القوى الناكصة عن مشروع الاصلاح ، فضاع الاصلاح وتحللت النخب الى مجموعات اغلبهم من الناعقين على غبار الايام والمتقنين لتوتير الخطاب الوصفي الذي لا يفضي الى شيء ، وبالمقابل تفننت النخب النفعية في ركوب موجة النفاق السياسي والذي اوصل ثلة منهم الى السلطة فأمعنوا في تقزيم الاخلاق الوطنية بممارساتهم الى مستوى الحضيض .
ليس صحيحاً ان كل الذين اشغلوا الموقع العام فاسدين ، وليس دقيقاً ان توريث الموقع العام هو العامل الوحيد لفقدان بوصلة الاصلاح ، ولكن واقع الفصام الاصلاحي يكشف ان ثمة عوامل متعددة اسهمت في تراجع مفهوم الدولة الى واقع الشركة في الاداء العام وان الحكومة لم تعد تلقي بالاً للبرلمان او اية جهة رقابية سوى احتكارها للعلاقة العامودية بين المسؤولين واقصاء الاقل درجة وظيفية ولو كان على حق واختراق السلطات الاخرى بشكل افقي وبأقصى ما تستطيع .
كل القوى والشخصيات النفعية والمخلصة على حدٍ سواء تعلم كيف تدار الملفات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، والكل يدرك كيفية انحدار المعايير في اشغال الموقع العام وكلهم يتحدثون في مجالسهم وصالوناتهم كيف عين هذا وكيف اقصي ذاك ، واغلبهم ينتظر فرصة القفز للموقع العام ليفعل اكثر حتى غدت الكفاءات الاردنية المخلصة التي لم تسجل ولائها لواحدة من تلك المجموعات عرضه للإقصاء والتطهير السلبي والى مستوى لا يليق في وطن كان من المفروض انه بني على المحبة وتبادل الادوار لكل الاردنيين في الاداء العام .
حديث كبار السياسيين في الغرف المغلقة وانتقاد الاداء المخجل والمدان للحكومة لا يخدم الدولة الاردنية ، ولا يشكل اخلاصاً للقيادة السياسية ، وليس البديل بالضرورة الخروج للشارع في هذا الظرف الدقيق ، ولكن مرتكزات الدولة الاردنية ونظامها السياسية هي مسؤولية كل الاردنيين المؤمنين بهوية الدولة وقيادتها الحكيمة ، والمفردات الصغيرة التي تعكر المزاج الوطني تحتاج الى مخلصين وغيورين ومستشارين مؤتمنين لوضع ولي الامر فيما يجري .
المؤسسات الرقابية انحدرت الى مستويات غير مسبوقة في ادائها وبين خوف ونفاق وفردية وغياب الرقابة على المراقب ، انفلت عقال اخلاقيات الاداء العام الى جهود موتورة وشكليات محصورة في الاقناع اللحظي واللفظي وتجنب السؤال ، وكل هذا ادى الى عقد قران الود بين اغلب تلك المؤسسات والحكومة فانفلتت الاخيرة وتفننت في غيها وفرديتها الى مستويات لا تليق، واضحت تتذاكى على الاردنيين بإخفاء قراراتها عن الشعب والاكتفاء بما يصدر من مجلس الوزراء دون اعلان ، اي وطن هذا الذي يدار بهذه الشاكلة !.
كل ما قلت واكثر يتحدث به الجميع وحتى من داخل الحكومة ، ولكن ما بين خائف ويائس ومنتظر لعطف الحكومة ورضاها او آمل برحيلها او قلق من قول كلمة لمصلحة وطن بأكمله ؛ يصمت الاغلب ان لم يكن الجميع ، ولكن نسيت الحكومة ان المزاج العام الاردني شائك ومتشابك ، وان الجاهل او المتجاهل له هو ناكر لتضحيات الاوائل والشهداء وجاحد لرواية الخبز والشاي ، ولا تعنيه دموع الحرائر والامهات امهات الجنود وشقائق الرجال .
ليس الحل فقط في رحيل الحكومة ولا يكفي اقالتها او احالتها للقضاء بجرم اساءة استعمال السلطة والاهمال بواجبات الوظيفة وغيرها ، ولا يجوز ان نركن فقط الى مجلس النواب الذي لا حول له ولا قوة ، بل يتوجب اولاً ان ترتقي النخب الفاعلة الى مستوى المصلحة الوطنية العليا ، وان تنهض من حالة الفشل الى مستوى الخطر الذي يحيق بوجودنا ، فالدولة والقيادة التي اعطت تلك النخب الريادة والصفوف الأولى في الاداء العام تستحق ان تتحرر تلك النخب من انانيتها الضيقة الى افق مصلحة الوطن العليا الرحب .
التنمية السياسية تتطلب تكامل معاييرها بدءاً من التنشئة السياسية والثقافة السياسية الى المشاركة السياسية بمتطلباتها النوعية والانتخابات النزيهة للهيئات والمؤسسات المنتخبة ومروراً بحرية الاعلام والحق في مخاطبة السلطات العامة والعدالة في اشغال المواقع العامة ، فالنخب لم تعد فاعلة او جادة في الاداء العام والسلبية التي تعتري تلك النخب قاتلة للمعالجة الوطنية للأزمات وجلد الحكومة وسياساتها العبثية بعد رحيلها سيمفونية هزيلة لم تعد تنطلي على احد ، وهو قراءة خاطئة لتوقيت النصيحة الراشدة ووفاءٍ هزيل للدولة الاردنية الشامخة .
بقي ان اقول ان السكوت على انتهاك سيادة القانون في وضح النهار من قبل الحكومة هي مسؤولية النخب جنباً الى جنب مع مجلس النواب ، وان النزاهة تسمو بصاحبها الى القمة والنفاق ومداهنة الحكومة على حساب الوطن تغوص به الى القاع .