من نماذج التدبير المنزلي الذي كانت تتمتع به أمهاتنا العريقات، استخلاص الشيء من الشيء، وعدم رمي أو إتلاف أي شيء حتى يعلن استسلامه نهائياً وخروجه من الخدمة بمعلولية لا يمكن إصلاحها..
مثلاً كانت أمي تجمع خيطان أكياس الطحين لغايات التلحيف وإصلاح الملابس لما تتمتع به هذه الخيطان من متانة وجودة منقطعة النظير، وبسبب استهلاكنا العالي للطحين وقلة استخدامنا للخيوط، كانت تتوفر لدينا كميات هائلة من هذه الخيطان التي لن نحتاجها لألف عام على أقل تقدير، لذا كانت تضطر أمي لوضعها ككتلة واحدة قرب السياج في حال احتجناها لـ»ترقيع» شوالات القمح المخزوقة أو «تلبيق» مفارش للزيتون.. وكان لدينا ديك «على نياته» يترك ساحة الدار الواسعة والحاكورة الممتدة ويبدأ «يحاشك» قرب كتلة الخيطان، فتعلق أظافره فيها وتلتف حول رجليه فيبدأ بالصياح و»النطز» برجل واحدة في باحة الدار، فتأمرنا أمي أن نحضر الديك مغفوراً، فتقوم بقص الخيطان الملتفة بشدّة وتخليص رجليه من القيد وتفلته من جديد..
في اليوم التالي يقوم نفس الديك بنفس الحركة، يترك الخيارات الواسعة ومكان «رشّ الشعير» ويلوذ قرب السياج يبحث عن رزق نادر، فتعلق رجلاه ثانية بالخيطان ويبدأ «ينطز ويقع على صباحه» حتى ينتبه له أحدنا ويقوم بقص الخيطان «المحزّزة» على رجليه وبين أصابعه ورميه في الفضاء من جديد..
حتى وأنا في أيام التوجيهي كلما سمعت الديك يقول» قاااق..قااااق... بصوت حزين ونبرة رجاء» أقول في نفسي «شلبك حاله لعين الحرسي»، أرمي كتاب الأنثولوجي وأقوم بتخليصه بإشراف الوالدة رحمها الله.. بقي الديك «غير الفصيح» على هذا الحال إلى أن ارتأينا ذبحه وطبخه على «أكلة مفتول»شتوية حتى نريّحه من رأسه اللي مش مريّحه!.
نحن نقوم بما يقوم به الديك سالف الذكر.. نصيح من سوء أداء مجلس النواب ورؤساء البلديات، وعندما تحل البلديات والمجالس النيابية ويتم تخليصنا من شلبكتهم.. نعود في الانتخابات التالية ونترك كل الخيارات الواسعة والأسماء الوازنة المتاحة و نختار الأمّي والضعيف والفاسد وقليل الكفاءة ونترك المتعلم وصاحب الخبرة والقدرة على التغيير..»فنتشلبك» ثانية وثالثة ورابعة بسوء اختيارنا ونبدأ نصيح و»ننطـُزُ» ونريد من يخلصنا منهم..
الآن وأنا أتابع الانتخابات البلدية ألاحظ «نظرية الديك» تطبّق بحذافيرها، حيث ما زال البعض ينجر وراء العشائرية و»الدرهبّع القبلي» والاختيار المدمّر فقط لأن العشيرة اختارت فلان.. أقول في نفسي: والله آخرتنا على «طبخة مفتول»!!.
وغطيني يا كرمة العلي
الرأي