أكثر ما يقول أنصار اردوغان انه وصل الى الحكم بطريقه ديمقراطية وعن طريق صناديق الانتخاب. وانا اقول ان ذلك صحيح من الناحية الشكلية ولكن انا اتحدث عن ديكتاتوريه الأغلبية البرلمانية المطلقة والتي تستند الى اغلبية كافية لتمرير اي قرار او مشروع يريده الحزب الحاكم دون ان يكون للمعارضة اي فرصة للاعتراض عليه. وهذا الامر قد يحول الديمقراطية الى اقسى كوابيس الديكتاتورية وان كان بثوب ديمقراطي .

وفي البداية لا بد وان أؤكد انه وفي عام ٢٠٠٢ خاض حزب العدالة والتنمية برآسة اردوغان الانتخابات التشريعية وحصل على اغلبيه كاسحه بلغت ٣٥٣ مقعداً من اصل ٥٥٥ مقعد الا ان اردوغان لم يستطع تشكيل الحكومة في البداية بسبب تداعيات قضيه حبسه وشكلها عبدالله غل حتى شهر مارس٢٠٠٣ حيث عاد اردوغان لرآسة حزبه واصبح رئيساً للوزراء

وفي الانتخابات التشريعية لعام ٢٠٠٧ حصل الحزب ايضاً على اغلبيه كاسحه وحصل على ٣٤١ مقعد من ٥٥٥ مقعداً وكذلك في انتخابات عام ٢٠١١ حيث حصل الحزب على اغلبيه ٣٢٧ مقعداً . واذ يلاحظ تناقص الرقم ولكن كان ذلك كافياً لأن يشكل الحزب الحكومة وان يكون له اليد الطولى بأي قرار يتخذه المجلس. وأن يستمر اردوغان برآسة الوزراء حتى الثامن والعشرين من شهر آب عام ٢٠١٤ عندما قرر اردوغان ان يترشح لرآسة الجمهورية بدلاً من عبدالله غل الذي كان يشغل هذا المنصب وذلك بعد ان امضى احد عشر سنه وخمسه اشهر واربعه عشر يوماً كرئيس للوزراء بعد ان كان وعن طريق اغلبيته الحزبية في البرلمان قد تمكن من تعديل الدستور ليصبح انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الانتخاب الشعبي المباشر .


وقد فاز اردوغان بهذه الانتخابات بأغلبيه حوالى اثنان وخمسون في المائة من الاصوات ليصبح رئيس الجمهورية الثاني عشر لتركيا .

ومن هنا اخذ يظهر وجه آخر لاردوغان ، فقد كان نظام الحكم في تركيا برلماني حيث حزب الأغلبية او الأحزاب الائتلافية تشكل الحكومة وتكون السلطات الفعلية واداره امور الدولة من صلاحيه رئيس الوزراء . اما رئيس الجمهورية فقد كانت صلاحياته بروتوكولية شرفيه وشكليه تتمثل بحضور المناسبات الرسمية التي تتطلب ذلك وتكليف حزب الأغلبية بتشكيل الحكومة. وكان مقر الحكومة في قصر يدعى شنقايا. وكان اردوغان وقبل ان يصبح رئيساً للجمهورية قد أصدر أوامره ببناء مبنى ضخم ليكون مقراً جديداً لرآسة الحكومة. وقد تم اقامه هذا المبنى بأنقرة في منطقه غابات محميه وعلى مساحات واسعه من الارض وتم ازاله المئات من الاشجار لأقامه القصر مما اثار غضب جماعه حمايه البيئة وعندما اصبح اردوغان رئيساً للجمهورية قرر ان يخصص هذا القصر والذي كان قد تم الانتهاء من بنائه ليكون مقراً لرئيس الجمهورية بديلاً عن القصر الجمهوري القديم والذي يعود الى العهد الأتاتوركي والواقع في قلب مدينه انقره .

وقد تمت تسمية القصر الجمهوري الجديد باسم القصر الابيض ولعله سمي بهذا الاسم تيمنناً بالبيت الابيض الامريكي ويتكون هذا القصر من ١١٥٠ غرفه غير الغرف التي في بيوت الضيافة الملحقة به ويحتوى القصر على حديقة نباتيه وغرفه عمليات متصلة مع الاقمار الصناعية وانظمه اتصالات عسكريه وتحصينات قادره على صد هجوم بالأسلحة البيولوجية والنووية والكيماوية ويضم مركزاً للمؤتمرات . ويعتبر هذا القصر الاكبر في اوروبا وتجاوزت تكلفه بنائه الستمائة مليون دولار. وقد شاب عمليه بنائه الكثير من شبهات الفساد .


وأبقى اردوغان مقر رآسة الوزراء في المبنى القديم بعد ان أصبح يشغل هذا المنصب احمد داود اغلوا بعد ان أصبح رئيساً لحزب العدالة والتنمية إثر استقالة اردوغان من هذا المنصب كون الدستور التركي كان يمنع وجود علاقة لرئيس الجمهورية بأي حزب .

ولكن اردوغان ما كان ليكتفي بالانتقال الى المبنى الجديد والذي كان من المفترض ان يكون مقراً لرآسة الوزراء بل اخذ معه جميع صلاحيات رئيس الوزراء وأصبح يمارسها فعلاً وبطريقه غير دستوريه. ثم بدأ في العمل على دسترة هذا الوضع عن طريق الانتقال الى النظام الرآسي حيث رئيس الجمهورية هو من يحكم وليس رئيس الوزراء مبرراً ذلك بأنه النظام الافضل لتركيا دون ان يوضح لنا لماذا لم يعمل على نقل صلاحياته بصفته رئيس للحكومة الى رئيس الجمهورية طوال الاحد عشر سنه ونصف والتي شغل بها هذا المنصب .

وقد خاض اردوغان وحزبه الانتخابات التشريعية في السادس من حزيران عام ٢٠١٥ وفي هدفه ان يحقق اغلبيه كاسحه تأمن له قيام المجلس بمباشره الإجراءات الدستورية لتعديل الدستور نحو النظام الرآسي ، الا ان نتيجة هذه الانتخابات كانت مخيبه للآمال اذ لم يحصل حزبه سوى على ٢٥٨ مقعداً في المجلس الامر الذي لم يكن كافياً حتى لتشكيل الحكومة بمفرده ، لذا وبطريقه ديمقراطية كلف اردوغان احمد داود اوغلو بتشكيل حكومة ائتلافيه مع احد الاحزاب الثلاثة الاخرى التي لها تمثيل في المجلس ولكن هو من ناحيه فعليه وضع العراقيل امام تشكيل حكومة من هذا القبيل حتى مرت مده الخمسة والاربعين يوماً وهي المدة الدستورية لتشكيل هذه الحكومة . بعدها أعلن اردوغان حل المجلس النيابي ودعا لانتخابات تشريعيه جديده حدد تاريخ الثامن من تشرين الثاني من نفس العام موعداً لها وكلف اوغلو بتشكيل حكومة انتقاليه من ثلاثة احزاب في البرلمان وبعض المستقلين وكل ذلك بطريقه ديمقراطية. ثم اخذ يلعب على وتر الامن والاستقرار والارهاب من خلال اشعال نيران القتال مع حزب العمال الكردستاني بعد ان كان من المفروض الوصول الى اتفاق بين الطرفين لم يكن ينقصه الا التوقيع، كما لعب على وتر الارهاب ومحاربه داعش في سوريه إثر قيام داعش بعمليات ارهابيه مثيره للريبة في تركيا.

كما اخذ في محاربه قوات سوريه الديمقراطية التي يكون اكراد سوريه اغلبيه اعضائها مثيراً الخوف داخل تركيا من قيام دوله كرديه على الحدود مع سوريه . وخاض حرباً اعلاميه شرسة مع حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا والذي يمثل الاكراد متهماً اياه بأنه الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني مما كان له أثره في نتائج انتخابات الإعادة للمجلس التشريعي وحصل حزب العدالة والتنمية على٣١٧ مقعدا فيه، الا ان هذا الرقم ظل اقل من المطلوب لتعديل الدستور.

حتى ان المقاعد التي حصل عليها كانت اقل من انتخابات عام ٢٠١١ . وقام احمد داود اوغلو بتشكيل حكومته الثالثة واسند اليه اردوغان مهمه واحده وهي حشد التأييد داخل مجلس النواب لإنجاح التعديل الدستوري. ولكونه لم ينجح في ذلك حصل خلاف وتوتر بينه وبين اردوغان أعلن بعدها اوغلو استقالته من رآسة الحكومة والحزب وخلفه في ذلك بن علي يلدرم وقد استطاع المذكور واردوغان من توجيه ضربات قوية لحزب الشعوب الديمقراطي واحاله عشره من اعضائه للقضاء بتهمه دعم الارهاب بعد ان رفع الحصانة النيابية عنهم. كما تمكنا من الحصول على دعم الحزب القومي التركي مما وفر لهما الأغلبية اللازمة لإقرار قانون طرح التعديل الدستوري على الاستفتاء الشعبي العام والذي تقرر اجرائه بتاريخ ١٦ / ٤ / ٢٠١٧.


وقبل اجراء الاستفتاء قيض الله له نعمه الانقلاب الفاشل لكي يخوض حرب تصفيه مع جميع معارضيه حيث سجن وفصل مئات الالوف من معارضيه ومنهم نسبه كبيره من الجيش والأجهزة الأمنية والقضاء. كما اغلق جميع المحطات الفضائية والإذاعية ووكالات الانباء والصحف التابعة للمعارضة بالإضافة الى اغلاق المدارس والجامعات والمستشفيات والمراكز الصحية التابعة لها. واقام حملته لدعم القول بنعم اثناء الاستفتاء بأن من يصوتون بلا هم من الخونة والعملاء والارهابيون. كما اثار معركة مع الدول الغربية عندما حاول ان يرسل مسؤولين حكوميين اتراك لبعض هذه الدول لحضور مهرجانات الجاليات التركية فيها لدعم التصويت بنعم ومن غير التنسيق معها وهو يدرك انها لن توافق على ذلك، حيث انه لم يسبق وان حدثت حاله مشابهه في جميع الانتخابات والاستفتاءات في العالم وخاصه في ظل انقسام الشعب التركي في هذه الدول ما بين مؤيد ومعارض واحتمال ان تحدث اشتباكات خلال المهرجانات التي كان مزمع عقدها، ناهيك عن احتمال تعرض هذه التجمعات الى عمليات ارهابيه. وجير موقف الدول الغربية لصالحه على اساس انها تعمل ضده لكسب مشاعر الشعب التركي.

ولذا وعندما جرى الاستفتاء فاز بأغلبيه بسيطة تبلغ حوالي الواحد والخمسين في المائة ، ولكنها كانت كافيه لتعديل الدستور واعطائه صلاحيات واسعه واعادته لرآسة حزبه وضمان سيطرته على السلطة التشريعية والقضائية والعسكرية وهذه السيطرة التي يمكن ان تمتد الى عام ٢٠٢٩ كون ان التعديل سيعمل به اعتباراً من سنه ٢٠١٩ مما يعني استمراره بممارسه صلاحياته الواسعة والغير دستوريه التي يمارسها الآن حتى هذا التاريخ وبذلك يكون قد اكمل مده رآسية كامله من خمس سنوات غير محسوبة وبسلطات غير دستوريه وتمت ضمن سريان النص الدستوري القديم الذي يعطي هذه الصلاحيات لرئيس الوزراء . ثم يكون امامه دورتان انتخابيتان مدتهما عشرة سنوات.

وبالرغم من ان العمل بالتعديلات الدستورية لم يحن موعد تطبيقها الا انه طبق النص الذي يسمح له بالعودة لحزبه وترؤسه له وتولي صلاحيه اجراء التعيينات فيه لكي يضمن السيطرة على الحزب كما هي اجهزه الدولة المختلفة وكل ذلك بالطريقة الديمقراطية لا بل بدكتاتورية الديمقراطية المطلقة.