«كثيرون حول السلطة، قليلون حول الوطن».
(الماهاتما غاندي).
يدمغ الملك المسؤولين السياسيين السابقين ب«جُرم» التواري وقت الازمات. ويعرب الملك، في لوم وإدانة واضحين، عن استغرابه من غياب المسؤولين السابقين حين تشتد الحاجة اليهم.
تشتد حاجة الأوطان الى فرسانها وقت الازمات والملمات والشدائد والنائبات. وكما في حالة خذلان الأوطان كذلك في حالة خذلان الخلان، فالقاعدة هي ان قليل القليل هم من لا يخذلون صاحبهم.
قال الامام الشافعي:
ما اكثر الاخوان حين تعدّهم لكنهم في النائبات قليل
وقال عنترة العبسي:
ينادونني في السلم يا ابن زبيبة
وعند صدام الخيل يا ابن الاطايب.
كنت أقدم برنامجا سياسيا أسبوعيا مسجلا للتلفزيون الأردني في مطلع التسعينات بعنوان «الأردن والتحديات» وقد وجدت عنتا وصعوبة في الحصول على موافقة السياسيين السابقين للحديث عن السلام.
كانت الإجابة النمطية من معظم السياسيين الذين اتصلت بهم هي: «هذا موضوع يحرق، إنساني وشوف فلان او فلان» !!. كانوا يخشون على تاريخهم الزاخر بالفتوحات والبطولات والانتصارات !!.
وقد سنحت لي الفرصة فذكرت للملك الحسين رحمه الله عن رفض السياسيين السابقين، الحديث وقت اشتداد الحاجة الى حديثهم، وسمّيت له أسماء الابطال المتمنعين.
المسؤولون الحاليون يأخذون على المسؤولين السابقين، انهم يشاغبون ويعطلون، ويختفون ولا يظهرون حين الحاجة اليهم. وبما ان المسؤولين الحاليين، سيصبحون مسؤولين سابقين، فانهم بالتأكيد وبالحتمية، لن يشذوا عن القاعدة الإنسانية التي لخّصها غاندي أعلاه، وسيسلكون ذات الدروب، دروب التغيب والتواري والتنصل من مسؤولية الحديث الشجاع الذي لا شعبوية فيه.
المشاركة في السلطة هو طموح منتسبي كل حزب وطني ديمقراطي وطموح كل الكفاءات الوطنية الشابة، والثوى الاجتماعية الأردنية الجديدة.
ما نبّه اليه الملك وما اثار امتعاضه وامتعاضنا يجب ان يفتح العيون واسعة على وجوب واهمية إعادة بناء القاعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للنظام السياسي و إعادة تركيب وسائل انتاج النخبة والطليعة. والتخلص من الأنماط والصيغ السارية المفعول.
المسؤولون السابقون أربعة:
نوع ينكفيء وينكص، لأنه مقطوع خطوط الاتصال بالشارع وغريب عنه لا يجرؤ ان «يطيح الى الشارع» ولو تاه وطاح، فسيضيع وسيتبهدل. هذا النوع اراهن انه لن يعرف أسماء القرى الأردنية ال 5 من أسماء القرى الأردنية ال 100 التي يعرفها كل الجنود وكل الضباط وكل المعلمين وكل الموظفين.
ونوع ثانٍ من المسؤولين السابقين، يحمل آلة حاسبة يتابع اشغاله واعماله واسهمه وأسعار الذهب والعملات والنفط والبورصات، ما بتفرق معه لا قفقفا ولا غرندل ولا المقارعية ولا تبنا. وطنه هو ارصدته.
ونوع ثالث وازن تتم ازاحته ودفعه الى الخلف والقفز على كتفيه والدس عليه كي تقطع الطريق على إمكانية عودته.
ونوع رابع يعتمد طريقة المناكفة والمبالغة في التشريح والتجريح ورفع الصوت من اجل لفت النظر و»شوفيني يا بنت الخال».
إن من يصل الى السلطة، من عمق تمثيلي حقيقي، غير مزيف، ومن منصات كفاءة وطنية طبيعية موضوعية، هو فقط الوطني الذي لا يخذل وطنه ولا يخذل ملكه. الدستور