في هذه الأيام على الأقل تحاسب على100 بوسة في اليوم، ولو أجريت دراسات لتبين أن المواطن الأردني في شهر الدعاية الانتخابية انباس أكثر من شهر العسل!
حين يعلم المرشح أن جدتك في ذمة الله ولم يبق أحد من شهود العيان على قيد الحياة يقول لك: جدتك الله يرحمها رضعت أبوي وخالي وعمي، لذلك نحن عائلة واحدة وبدنا فزعتكم معنا!!
وأغلب مرشحي دائرتك الانتخابية عادة ما يؤكدون أن جدتك رضّعت عائلاتهم، وبحسبة بسيطة لعدد المرشحين وعدد الذين أرضعتهم جدتك تكتشف أن البركة تجاوز إنتاجها مصنع نيدو!
الغريب أنه في ذلك الزمن لم يكن هناك أي تقسيم للدوائر الانتخابية، ومع ذلك تكتشف أن جدتك لم ترضع أحدا خارج دائرتها الانتخابية أو في المناطق التي ليس لك فيها حق الانتخاب، فلا يأتي أحد بغير وقت الانتخابات أو من خارج دائرتك الانتخابية ليؤكد لك أن الجدة قامت بالواجب، وهذا بالطبع خطير جدا وهو أنه قبل ظهور المال السياسي كان سابقا قد ظهر الحليب السياسي!
بعض المرشحين تكتشف أنهم استهلكوا حليبا أكثر من استهلاك بعض الدول من النفط، ولا يوجد منزل في المدينة إلا ورضعوا منه، وهذا مدخل يستغله بعض المرشحين لإقناع الناس بضرورة التصويت لهم عندما لا يكون لديهم برنامج انتخابي مقنع ويتضمن خططا مستقبلية!
إذا كانت جدتك قد توفاها الله بعمر مبكر ولم يسعفها الوقت في إرضاع كل أقارب المرشحين، يكون لدى المرشحين مداخل أخرى لكسب ودك ورضاك، مثلا حين يسألك: مين خوالك؟! وتجيبه .. تظهر عليه علامات الفرح والسعادة والاندهاش، وتعود له الذاكرة ليتذكر أنه كان يلعب معهم وأنه تربى في منزلهم وأنه تبرع بكلية لواحد منهم، علما أن أحدا من أخوالك لم يزرع كلية في حياته أو حتى قمحا وشعيرا!
في هذه الأيام لا يدخل المرشحون منزلا إلا ويسردون قصصا أغرب من الخيال، مثلا أغلبهم شاركوا في جميع المشاجرات والغزوات التي كان أحد أطرافها قريبا لك، وبعض المرشحين قد توجد في رأسه (فشخة) بسبب سقوطه عن شجرة تين، الا أنه في وقت الانتخابات يستغلها في الدلالة والإشارة إلى أن سبب الفشخة هو فزعته لقريب لك، ويريد ثمنها الآن، نفس الفشخة يستخدمها المرشح عند زيارة كل أهل المدينة، وبحسبة بسيطة تجد أن المرشح أكل قناوي في حياته أكثر مما أكل خبزا أو أرزا!
لا أحد يجلس معك في هذه الأيام ليناقشك ببرنامجه الانتخابي، بل أغلبهم يعتمدون على خلق قصص وهمية لإيجاد ترابط بينك وبينهم، منهم من يذكرك أن جده أهدى جدك شوال برغل في سنوات المحل، ومنهم من تعود به الذاكرة ليقول لك: أتذكر أعطيانكم بغلا للحراثة لما مات بغلكم بسكتة قلبية، وإذا لم يجد ما يتمنن به عليك يحاول أن يجد علاقة نسب بينك وبينه كأن تكون زوجة ابن خالة أبيه بنت عم خال زوجتك!
بهذه السخافات يحاول بعض المرشحين كسب التأييد، ولا أعلم كيف سنطور المدينة باختيارنا، وأمامنا أصحاب البوسة والكلية لا أصحاب الكفاءة والخبرة!
يؤلمني أن من سيخطط لنا ويحدد احتياجاتنا التنموية والخدمية، ويشرف على خدماتنا، لاتجد في بيانه الانتخابي سوى (فشخة) في رأسه أو بغل حراثة في ذاكرته!
الغد