كتب: عبدالله العابد
ينظر المعظم الى تغيير الحكومات على أنه اجراء روتيني لتدوير المناصب وامتصاص ارهاصات التراجع الاقتصادي الذي تشهده البلاد.
ربما كانت هذه النظرة على حق في كثير من المراحل، ولكنها لا تنطبق أقله على التوقيت الراهن.
ذلك أن تغييرات جذرية غير مسبوقة على الواقع السياسي والاقتصادي بدأت تترسخ، الأمر الذي يتطلب معه تغييرا في ديناميكية التعاطي مع الشأن الداخلي لاستيعاب ارتدادات الواقع الجديد.
نعم، هنالك واقع سياسي جديد قائم على مزاج عام عالمي (وليس محلي فقط) سئم تقليدية الخطاب السياسي التنظيري، ومل لغة لا يفهمها في ظل تراجع اقتصادي واحتقان اجتماعي وتداعيات جيوسياسية.
هذا هو الذي دفع بترامب الى السلطة، وأخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وعزز مكانة اليمين في مختلف البقاع. فالشعوب تريد تفاعلا اضافيا ولغة تفهمها ووعودا قابلة للقياس.
الأردن كبوابة منفتحة على العالم لا يقع خارج هذه المعادلة، وان ببعض الاختلاف في الهيكل والتركيب السياسي، فالضغوط واحدة: لاجئون وبطالة وتطرف وتباطؤ اقتصادي، انها نفس العوامل في العالم وهنا في الأردن.
ولمن يريد التأكد من ذات المزاج الأردني، أن يطلع على التفاعل الشعبي الباهت مع خطط (مجلدات) التحفيز الاقتصادي، واتساع الفجوة مع المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وانتقادات الاعلام الرسمي، والاستياء من غياب رئيس الحكومة أو تفاديه الظهور على المشهد، والسؤال الاستنكاري الدائم عن أثر الانجازات الحكومية على حياة المواطن اليومية.
اقتصاديا، بات من الضروري أيضا الاعتراف بواقع جديد، ليس ظرفا طارئا أو استثنائيا، انما واقع الاعتماد على الذات، بدلا من سياسة ادارة الأزمات، وانتظار المعونات.
فاذا لم تفلح خطوات اصلاحية بمليارات الدنانير خلال السنوات الخمس الماضية في علاج الفجوة المالية المزمنة، لن تنجح في ذلك اذا بعض التطورات الايجابية في المنطقة، خصوصا مع التراجع الحتمي في المساعدات الخارجية وحوالات المغتربين.
كما يعلم الاقتصاديون تماما أن وجبات اضافية من الاصلاحات المالية المرهقة قادمة لا محالة، وأن أي تحسن ملموس في الواقع الاقتصادي يحتاج الى عدد ليس قليل من السنوات، وقد ينطوي على ضغوط تضخمية ترهق محدودي الدخل.
الواقع الجديد سياسيا واقتصاديا، يحتاج الى حكومة جديدة لمرحلة قادمة بعنوان جديد هو الاعتماد على الذات، والنهوض التدريجي بالاقتصاد من خلال التركيز على عدد أقل من القطاعات بأهداف محددة قابلة للفهم والقياس.
أما الأهم من كل ذلك، فأن يستطيع رئيس الحكومة الجديدة الحفاظ على ظهوره، ومخاطبة المواطن، في محاولة جادة لإيصال رسالة الحكومة.
فالواقع الجديد لا يحتمل استمرار غياب الحكومة، واتساع فجوة الاتصال مع المواطن.