زيارة نائب رئيس الجمهورية ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري كامل المالكي والوفد المرافق له إلى جمهورية روسيا الاتحادية ولقائه بالرئيس بوتين ووزير الخارجية لافروف ورئيسة المجلس الفيدرالي الروسي ماتفيينكا ، لا ينظر إليها من خلال الصلاحيات الممنوحة لنائب الرئيس في النظام السياسي القائم في العراق ، كما حاول البعض الممتعض من هذه الزيارة ، التقليل من شأنها ودفع بعض الإعلاميين الساعين للشهرة ، للتشكيك بأهميتها وجدواها ، فالحكومة الروسية التي وجّهت الدعوة لنوري المالكي تعلم جيدا صلاحيات نائب الرئيس في النظام السياسي القائم في العراق ، بل أنّ دعوة الحكومة الروسية لنائب الرئيس المالكي جاءت لاعتبارات أخرى تتمّثل بالموقع السياسي المرموق الذي يتبوؤه المالكي سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي ، والدور الذي ينتظره للمرحلة القادمة ، وروسيا الاتحادية تدرك تماما أن نوري المالكي سيقود الجبهة الأخرى التي ستجتمع تحت خيمتها كل الحركات والقوى السياسية المناهضة للمشروع الأمريكي الإسرائيلي السعودي في المنطقة ، وتدرك أيضا أنّ نوري المالكي لا زال حتى هذه اللحظة الرقم الأصعب في العملية السياسية الجارية في العراق حتى وهو خارج مركز القرار ، ولو كانت هذه الزيارة غير مهمة لما استقبل الرئيس الروسي ضيفه المالكي وكأنّه رئيس دولة .
في هذا المقال لا أريد أن اتطرّق للمحاور السياسية الهامة التي ناقشها المالكي مع القيادة الروسية ، والتفاهم الكامل حول مجمل القضايا الإقليمية وتعزيز التعاون مع العراق في مجال مكافحة الإرهاب والعلاقات الثنائية ودعم وحدة العراق ورفض أي تعريض لهذه الوحدة للخطر وتشجيع التعاون الاقتصادي والعسكري والطاقة ، بل أريد أن اسلّط الضوء على الموقف الروسي المشرّف من موضوع وحدة العراق واستفتاء إقليم كردستان الذي سيجري في الخامس والعشرين من أيلول القادم ، وكذلك الموقف من المحاولات والمخططات الرامية لتأجيل الانتخابات النيابية القادمة ، فالموقف الروسي جاء قاطعا ولا لبس فيه ، وهي مع وحدة العراق وضد أي إجراء سيؤدي إلى تقسيم العراق ، وإنها ضد الاستفتاء الذي سيجري في إقليم كردستان وما سيترتب عليه من نتائج وآثار ستشمل المنطقة باسرها ، وهي أيضا ضد أي محاولات تستهدف تأجيل الانتخابات النيابية عن موعدها المقرر ، ولعلّ قضية الاستفتاء وانفصال إقليم كردستان عن العراق هي من أخطر ما يواجه العراق بعد داعش ، بل هي أكثر خطرا حتى من داعش نفسها ، خصوصا أنّ الموقف الأمريكي يتميّز بالغموض واللاصدق ، وحين يتم التأكيد من قبل دولة عظمى كروسيا الاتحادية العضو الدائم في مجلس الأمن أنّها مع وحدة العراق وضدّ أي إجراء يعرّض هذه الوحدة إلى الخطر ، فهذه رسالة قوية لمسعود ومن يقف وراءه ، كما وأنّ تأكيد روسيا على أهمية إجراء الانتخابات النيابية العامة في موعدها المقرر ، هي الأخرى رسالة لأمريكا ومن يخطط معها لتأجيل هذه الانتخابات وتشكيل حكومة طوارئ ، وهذه الزيارة الناجحة جدا والمهمة جدا من شأنها أن تمّهد الطريق لتوقيع معاهدة صداقة وتعاون ودفاع مشترك ، ولولا الموقف الروسي الداعم والمناهض للإرهاب ، لما استطاع محور المقاومة الصمود والتصدّي للإرهاب ودحره .