الفكر الديمقراطي الاجتماعي في الإعلام الأردني
د. تيسير المشارقة
26-07-2017 12:19 PM
نحن نحتاج لتعزيز دور الإعلام في تعميم الفكر الديمقراطي الاجتماعي. لماذا نقترح هذا المقترح، لأن هذا الفكر من أشد المدافعين عن حرية الصحافة والإعلام والحق في التعبير الحر داخل المجتمعات المعاصرة. فالتطوّر نحو الدولة المدنية الحقيقية، والعلمانية الحامية لها، لا يمكن أن يتم إلا في ظل حريات ديمقراطية وإعلامية بشكل خاص. هذا هو افتراضنا الأساسي هنا، الذي ينبغي علينا تأكيده وإدراكه من خلال التجارب العالمية المتعددة في دول العالم.
ولأننا نؤمن بأردن وطني ديمقراطي، نحن نتسلّح بالفكر الديمقراطي الاجتماعي، باعتباره الوعاء الناقل للوعي بالحقوق والحريات للشعوب. وظهر لنا أن الاهتمام بأسس هذا الفكر غير كافٍ. فقضايا مثل "المجتمع المدني" و "فصل الغيبيات عن السياسة" واحترام "الخصوصية الفردية" والتأكيد على مبدأ " العدالة الاجتماعية" و " دولة القانون" و "حرية المرأة" .. لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تحالفات من كافة القوى الديمقراطية والاجتماعية التي تعمل من خلال برامج عمل متطوّرة وواضحة وبشفافية لتحقيق هذه الأهداف والمبادئ .
ما نريده اليوم أو ما نطمح إليه من خلال وسائل الإعلام الوطنية هو تعميم المعرفة بقضايا الديمقراطية والحريات العامة والحقوق. ليس المقصود هنا، تعميم المعرفة بذلك فقط، وسط النخب السياسية والثقافية التي تجهل تلك القضايا أو تشكك في جدواها. وإنما نقصد بتعميم المعرفة للجميع، وتوصيل الدراية بالحقوق الفردية والمجتمعية للعديد من فئات الشباب والطلبة بشكل خاص. والهدف من ذلك أن تكون المعرفة بأسس الديمقراطية الاجتماعية كالحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة مألوفة لديهم. فبدل سيطرة الغيبية واللاواقعية و العدمية في الأوساط العمرية الشابة، ينبغي تعميق الوعي بالحرية والمسؤولية لديهم باعتبارها الخيار البديل عن الظلامية والرجعية والتخلّف، وباعتبار الديمقراطية والحرية من محاور الصراع من أجل الحياة.
صحيح أن في الحياة خيارات متعددة، ولكن حركة الشعوب وربيع الثورات قدّمت لنا مؤشرات هامة على رغبة الشعوب في التخلّص من الاستبداد والشمولية والتسلّط وتحكّم أفراد في مصائر الملايين من الناس على هيئة استعباد . ولهذا نجد أن على عاتق المثقفين والشباب اليوم مهمات تنويرية في إدارة المعرفة بالديمقراطية من أجل الحكم بنواميسها ومن أجل حياة أفضل. وكثيراً ما كنا نسمع أن "الوطن" أغلى من "الديمقراطية" وقضاياها. ولكن بعد تشكّل البلدان والأوطان أصبح مطلب الحرية والديمقراطية أساسي للجميع. وما عادت تنطلي على الشعوب أكاذيب ارتباط الحكام بالله والأوطان في علاقة سرية غريبة أبدية غير مفهومة، وصارت الحريات الفردية واحترام الخصوصية وصون حقوق المرأة وقيم التسامح والسلام والعدل وحرية الرأي والتعبير واحترام حقوق الإنسان ، صارت كلها أكثر إلحاحا وأهمية في مواجهة طبائع الاستبداد والتسلط الفئوي والعرقي والأبوي(البطريركي) في حياة الشعوب.
لهذا، والإعلام شريك في ذلك، تكمن أهمية الكفاح والنضال على المستوى الوطني من أجل تعميق الفهم والمعرفة بالحقوق والواجبات وأسس الحرية والمسؤولية والديمقراطية، في أنها تؤسس لعصر جديد من حياة الشعوب. ويعني ذلك بداية نهاية لعهود طويلة خلت من الاستبداد والأصولية الوصولية. وتتيح المعرفة بالحقوق والحريات والواجبات للناس القدرة على وضع العقبات أمام مظاهر استبداد جديدة أو تغوّل جديد على حياة الناس وآمالهم وأحلامهم بالحرية والاستقلال والتغيير. ومن أجل ذلك، تقع على عاتق النخب الديمقراطية في الأردن ووسائل الإعلام المستقلة، الدفاع وحماية الإنسان من التجهيل والارتكاز على الإعلام والتعليم من أجل نشر الوعي بالحرية ومبادئ الديمقراطية وأهميتها من أجل الإبداع والتطوّر والتغيير.