قبل 88 سنة وفي مثل هذه الأيام من عام 1929، اندلعت "هبّة البراق" التي شكّلت الانتفاضة الفلسطينية والعربية الأولى ضد أي محاولة اسرائيلية لتغيير ما يسمى قانونياً "الأمر الواقع".
فبالإضافة للإرث الإسلامي المدوّن بالحبر والموثق بالدم، فإن تبعية حائط البراق للمسجد الأقصى، معززة بصكوك عثمانية كانت تمنع اليهود من الاقتراب من الحائط لكنها تعطيهم حق إقامة طقوسهم قبالته ،بعيداً عنه.
أول محاولة يهودية لتغيير "الأمر الواقع" كانت عام 1928 عندما طلبوا من سلطات الانتداب البريطانيين أن تسمح لهم بوضع مقاعد قبالة الحائط ،فرفضت. ثم حاولوا وضع ستار على العتبات المقابلة للحائط للفصل بين الرجال والنساء، وجرى إزالته بالقوة.
ويوم 15 آب / أغسطس 1929 خرجت مسيرة يهودية تصيح "الحائط لنا"، فقابلتها مسيرة فلسطينية أكثر احتشاداً، ليتحول المشهد إلى اشتباكات دامية توسعت جغرافياً إلى الخليل ونابلس وصفد وحيفا، وأسفرت في حينه عن استشهاد 116 عربياً، بينهم عدد من سكان شرقي الأردن.
وبحسب ما سمعتُ من والدي، فإن حوالي خمسة من شباب الكرك انتخوا يومها وانضموا لهبة البراق. خرجوا على وضوء، بعد صلاة الصبح. انطلقوا من عند القلعة، التي تشكل في وجدان الكركيين شعلة الاشتباك الايجابي المستدام، ووصلوا القدس بعد الظهر متجهين إلى بوابات الأقصى.
شاهدُ القصة، هو أن الرفض الفلسطيني والأردني اليوم لأي تغيير في السيادة الإسلامية على بوابات الأقصى، هو نفسه الذي ابتدأ عام 1929، بهبة أو ثورة البراق.
في الانتفاضتين، وما بينهما من تاريخ طويل من المواجهات المماثلة، جوامع مشتركة على أن السيادة الإسلامية على الأقصى هي "أمر واقع" يحميه أهل الرباط على ضفتي نهر الأردن، وتضمنه القوانين الدولية التي لا قيمة لها إن لم يكن أهل الحق قائمين عليه.
أما استذكار أن ما يجري اليوم عمره 88 سنة، وأن كركيين ومثلهم نشامى كثر كانوا عبروا "الشريعة" ليشاركوا في حراسة حائط البراق وباحات الأقصى، فإنما لتوسيع دائرة الرؤية وتعزيز اليقين.
فالمماحكات الراهنة التي تبدو شكلية ، ما بين حواجز الكترونية أو كاميرات رقمية معقدة، ما هي إلا إشارة تأكيدية بأن العقود التسعة التي تفصل بين هبة البراق ومعركة بوابات الأقصى، ليست سوى القرن الأول من أزلية "السيادة " والدفاع عن الحق كأمر واقع ، والمرابطة عليه، غرب النهر وشرقه.