سمحت سلطات الاحتلال خلال الأسبوع الماضي بوصول سفينة قطرية تحمل مواد إغاثة لسكان غزة. وأجازت تلك السلطات دخول شاحنات أردنية ومن الضفة الغربية ومن عرب 1948 إلى القطاع. فتحت معبراً مع الضفة الغربية، وأذنت بدخول محروقات إلى المحطات في «لفتات إنسانية» أثارت الدهشة.
تم ذلك الجمعة الماضية، قبل الاجتياح بيوم واحد.
أما قبل ذلك بأسبوعين أو أكثر، فقد شاعت في وسائل إعلام بعضها عربية، تقارير تحدثت عن انقسام في المؤسسة الإسرائيلية حول الاجتياح، فيما كانت تدور مفاوضات رعتها مصر للتهدئة. وكان وزير الدفاع باراك في عداد المتريثين والمترددين، كما ورد في تلك التقارير.
تدخل هذه الأساليب في باب الخدع الحربية، لكن الإسرائيليين يضفون عليها.. على الخدع، مذاقاً خاصاً بالهزء من معاناة الناس والتلاعب المشين بها.
وقبل نحو ثلاثة أعوام سمحت سلطات الاحتلال وبالذات رئيس الحكومة آنذاك شارون، لطائرة الرئيس عرفات بالمغادرة والعودة إلى رام الله، وكان شارون يصر من قبل على عدم السماح بعودة عرفات الذي كان محاصراً ومريضاً. كان شارون واثقاً أنه نال من عرفات قبل سفر هذا الأخير. عادت الطائرة بعد نحو أسبوعين تحمل جثمان عرفات.
في حروبهم يبرهن الإسرائيليون على وحشية متمادية لا محل فيها لأخلاقيات الحرب: ترك الجرحى ينزفون حتى الموت على قارعة الطرق واستهداف سيارات الإسعاف مثال على ذلك. الذين يسقطون ضحايا على الحواجز نتيجة الانهاك والمرض (مئات الحواجز العسكرية) مثال آخر.
استهداف المدنيين موهبة إسرائيلية ثابتة : كان شارون التقط من الدعاية الأميركية مقولة «إن طبيعة الحرب على الإرهاب قد تؤدي لإزهاق أرواح مدنيين، نظراً لتمترس إرهابيين مفترضين في مناطق سكنية ومواقع مدنية». استنتج الرجل من ذلك أن استهداف المدنيين، بصورة مباشرة، أمر مبرر ومقبول. فأخذ يخوض في دماء المدنيين ليل نهار حتى غص بها.
يقتل الإسرائيليون مدنيين في غزة، كما فعلوا من قبل آلاف المرات بدم بارد. إذا سئلوا عن الأمر يعبرون عن «أسفهم». بهذا أرسوا «مبدأ قضائياً» يقوم على رفع المسؤولية عن القتلة بمن فيهم من يكررون ارتكاب جرائمهم، في حالة إبدائهم الأسف عما اقترفوه.
المعضلة أن العالم اعتاد غض النظر عن هذه الفظائع. واعتبرها من الاستثناءات السارية، فقتل المدنيين أمر سيء، مدان، يتعين وضع حد له، لكن دون أن يعني ذلك أن قتل المدنيين الفلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين الإسرائيليين أمر سيء بالضرورة.
العرب وحتى الفلسطينيون ضجروا.. استنفدوا طاقتهم على الشجب والتنديد. الإسرائيليون جيلاً بعد جيل لا يضجرون من القتل. باتت اللعبة المقيتة تقوم على: من يضجر أولاً، وليس على من يوقف القتل ومن يحيل القتلة إلى العدالة، ومن ينتصر للحق في الحياة.
وها هو مسلسل القتل يعرض على شاشات التلفزة، بالبث الحي وعلى الهواء مباشرة. إنه «تلفزيون الواقع» وكأي بث تلفزي يتم الاكتفاء بالفرجة عليه.
السجل.