تحررت الموصل .. وتبقى معركة تحرير العقول مستمرة
سارة طالب السهيل
26-07-2017 09:51 AM
تنفست شعوب منطقتنا العربية الصعداء ، وغمرتها فرحة غامرة بانتصار العراق على الدواعش في الموصل ، ونجاح قواتها البواسل في تحريرها من جنود الظلام، ودحر تنظيم الدولة.
ورغم فرحتنا جميعا بهذا الانتصار، غير ان الحكومة العراقية تواجه تحديات طويلة المدى بعد هذا التحرير العظيم، من بينها استمرار التحديات الأمنية ممثلة بالأساس في استمرار بقاء الافكار الارهابية التي زرعها داعش في المدارس والجيل الجديد، بجانب التحديات السياسية ممثلة في كيفية احتواء الحكومة العراقية للأزمات السياسية وانجاز مصالحة وطنية تقوي من تماسك وحدة الوطن العراقي.
وكما تتصدر المشكلات الاقتصادية في التكاليف الباهظة لإعادة الإعمار والقدرة على استيعاب النازحين، الا انه وفي غمرة هذه التحديات فإنني اعتقد ان المرحلة الاولى بعد فرحتنا بتحرير الموصل يجب ان ينطلق العراق بوضع استراتيجية لإعادة تأهيل الأهالي في عراقنا الحبيب ، وتحرير عقولهم من تأثير الفكر الداعشي الارهابي و خاصة الأطفال الذين يتشربون الأفكار بسرعة و سلاسة لا سيما أن الاربع سنوات التي مرت عليهم تعتبر للبعض نصف عمرهم او ثلثه او كله.
ولعل حقيقة نجاح التعاون بين اطراف المكونات العرقية سنة وشيعة و أكرادا في سياق الحرب والقضاء على تنظيم الدولة الارهابية بالعراق، فان هذه الخطوة العملية والمهمة يجب ان تمتد بعد تحرير الموصل لإطلاق تجربة تعاون سياسي يحقق الاستقرار للموصل واهلها بخاصة والعراق بعامة، من أجل العمل على ملأ الفراغ السياسي الذي تركه دحر الدواعش هناك.
ولما كانت التجربة السياسية قد أثبتت ان تنظيم داعش قد نما وترعرع في الموصل بفضل عوامل كثيرة من بينها الفكر الديني المتشدد و إهمال التعليم و التوعية و الانقسام السياسي، فإنه من الأجدر بنا ان نقفل اي باب للانقسام السياسي مجددا، والعمل على بناء نظام سياسي محكم وقابل للحياة على الأرض يكون من شأنه منع اي فتيل للفتنة والخلاف السياسي.
وفي تصوري ان النظام السياسي المرجو يجب ان تنطلق من تخلي الأطراف المتنازعة عن سقف مصالحها الشخصية والاندماج في كيانات تحقق مصالح أهالي الموصل، وتحقق وحدتهم.
وهذا الحلم في الاستقرار السياسي لن يتحقق بمعزل عن الاسراع من قبل سكان الموصل بالدفاع عن مدينتهم وهو ما يعني ضرورة تحقيق وحدة سياسية وأمنية لسكان الموصل بكل اطيافها ، ولكن أيضا بدءا من مناهضة فكر داعش الظلامي والهدام.
فالعراق لابد وان يخوض معركة فكرية واجتماعية جديدة بعد انتهائه من الشق العسكري ، وفي تصوري ان اولي الخطوات في هذه المعركة الفكرية اصلاح البيئة العراقية فكريا واجتماعيا.
وبالرغم من ان المعركة الفكرية قد تحتاج لمزيد من الوقت والجهد الا انه لا استقرار للموصل والعراق من دون خوضها، خاصة وان هناك العديد من الخلايا الارهابية لا تزال نائمة وتنتظر لحظة الانقضاض مجددا على الموصل والعراق ، اذا ما توافر مناخ الانقسام السياسي مجددا.
ولاشك ان مناهضة فكر الدواعش في الموصل يجب ان ينطلق من معطى ثقافي جديد يكرس للوسطية الدينية ويعترف بحقوق الطوائف الدينية في ممارسة شعائرها وافكارها انطلاقا من مبدأ قبول الآخر رغم الاختلاف معه.
ولعل الاشكالية الثقافية بالعراق بعدم قبول الاخر شكل ارضية خصبة لمعطى ثقافي جعل لداعش قدرة على غسيل عقول الناس ، وتوافرت امامها وهن اقتصادي واجتماعي وسياسي.
فانتشار الجهل والامية والفساد وغياب الحريات والتمييز الطائفي والعرقي ولد بيئة خصبة لتوغل فكر الدواعش في ارض العراق ، ولعل تدمير البيئة الثقافية الحاضنة لفكر الدواعش يجب ان ينطلق من مهمة وطنية مخلصة يضع روشتة علاجها خبراء متخصصين من المفكرين والكتاب العراقيين المخلصين في مجالات التعليم والثقافة والاعلام ورجال الدين والمجتمع المدني.
أن المفكرين العراقيين يجب ان يبدؤوا فورا في التوجه نحو المؤسسات التعليمية عبر الدعوات الفكرية لتغيير المناهج التربوية والتعليمية لتكرس لثقافة الوسطية وقبول الاخر، ويوازي هذا الجهد الثقافي والتعليمي جهدا مخلصا في المجال الاعلامي لنشر قيم وحدة العراق بكل مكوناته العرقية والدينية ومناهضة العداء بينها ورسم معطيات التكتل والتعاون فيما بينها في رسم خارطة موصل جديد.
وهنا ايضا يبرز دور المؤسسة الدينية سنية وشيعية معا وحاجاتها الفورية لتغير خطابها في الغاء الاخر وابراز مثالبه، الى قبول الاخر واحترام فكره ومذهبه الديني في اطار مكون عراقي موحد اساسه المواطنة والمصلحة العليا للوطن العراقي ارضا وشعبا ليعيش المسيحي و المسلم و اليزيدي وكل الطوائف بسلام ومحبة.
ولا يمكن بناء معطى ثقافي جديد بالموصل يكرس لقبول الاخر والتعاون معه، بمعزل عن ابراز حقيقة مخاطر فكر داعش والقاعدة باعتباره فكر متطرف، ونشر الوعي بين عامة بين الناس وغسل عقولهم وتحريرها من هذا التطرف بإبراز ما تحقق للعراق والموصل من خراب ودمار بسبب فكرهم الهدام، في مقابل نشر الوعي بين عامة بضرورة التعاون في وضع منهج فكري واجتماعي وسياسي اكثر تسامحا وانسانية بما يحفظ امنهم وسلامتهم.
وفي تصوري ان هذا المنهج المتسامح فكريا والمناهض لفكر داعش يحتاج الى ارادة سياسية تعزز قيم المواطنة على حساب الطائفية والعرقية وتحقق العدالة الاجتماعية حتى يمكن الحرب الفكرية ضد الدواعش ان تؤتي ثمارها.
واعتقد ان الحكومة العراقية مطالبة اليوم وفورا بالإسراع في وضع برامج تأهيلية لأهل الموصل سياسيا وفكريا ودينيا، ونحن على استعداد للمشاركة مع كل المفكرين والكتاب العراقيين بالداخل والخارج للقيام بهذا الواجب الوطني والانساني.