في الأيام الماضية، نظم المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام رحلة «حج» وسياحة شارك بها أكثر من خمسين مواطناً من مختلف أنحاء المملكة. وتضمّنت الزيارة عبر أسبوعين ثلاث محطات كبرى في ثلاث دول: اسبانيا وفرنسا والبرتغال. حيث كان للوفد وقفات في كل من المزارات الدينية العالية الأهمية، وبالأخص مدينة لورد في الجنوب الفرنسي، وفاطيما في الشمال البرتغالي، وفي سانتياغو المخصّصة لإكرام القديس يعقوب في اسبانيا، وفي كل منها شاركنا، وباللغة العربية، بالصلوات والترانيم. وكان لنا لقاء في مدينة لورد مع المطران هناك نيكولا بروييه، حيث تم الاعتماد الرسمي لمزار يحمل ذات الاسم وأنشىء قبل أكثر من عامين في كنيسة ناعور، وأصبح مزارنا جزءاً من العائلة الدولية للمزار الأم والذي يدعى كذلك «مزار سيدة لورد». وقد أعرب مطران لورد عن رغبته في زيارة بلدنا الحبيب، ووعدناه بتنظيم زيارته، فيما استعدت كل عائلة لاستضافته في بيتها على «منسف أصلي».
يقف المرء عند السياحة الدينية في العالم، ويشاهد التنظيم والمقدرة اليومية المذهلة على استقبال عشرات الألوف من الزوار والسياح والحجاج والمصلين وناشدي الراحة والطمأنينة، وسط التصاعد المضاعف للخوف والقلق في العالم من مستقبل مجهول ومتغير المناخ: المناخ الجغرافي والمناخ الأمني. لكن، هنالك بين سطور الرحلة ومحطاتها قلق آخر، وهو أنّ بلدنا الأحب والذي رفعنا علمه عالياً في المحافل الدولية، ويحمل بين ثناياه ليس فقط مواقع دينية عادية، بل «أمّ» المواقع الأكثر قداسة في التاريخ الديني، لكنّ السياحة «هنا» ما زالت غائبة عن أجواء تلك الألوف المؤلفة «هناك».
فالديانة المسيحية التي نحتفل بها في دول العالم، قد انطلقت من عندنا، وما الذي يمنع أن نكون ريادييّ السياحة الدينية العالمية؟ وإلى أين وصلنا في الترويج والتحضير والتنظيم وتشكيل الأسعار السياحية الجاذبة؟ قالت لي سيدة تعمل في محل تذكارات دينية في البرتغال: «أحب أن آتي إلى الأردن، وأزور البتراء (وهي المكان الاردني الأكثر شهرة عالمياً) لكنني سمعت بأنّ تذاكر السفر عالية إلى بلدكم». هذا مثال بسيط على ضرورة التحرّك وإجراء تغيير على كل «المنظومة» السياحية.
وبين محطات الزيارة في غرب أوروبا، والتنقل من بلد إلى آخر، ومن مزار ديني إلى آخر، حلّ عيد النبي إيليا أو «مار الياس» وهو من الأنبياء الكبار الذي ولد في لستب (في الكتاب المقدس تشبة جلعاد)، في محافظة عجلون، وإلى جوار المغطس نجد «تلة مار الياس» التي صعد منها إلى السماء بمركبة نارية مانحاً رداء النبوءة إلى تلميذه أليشاع. ولم يكن أي احتفال في ذلك اليوم، وما زال موقع ميلاده بحاجة إلى حماية و»ديرة بال» على أرضيات الفسيفساء العائدة إلى القرن الخامس، وهنالك كنيستان كبيرة وصغيرة بإمكاننا، إن أردنا، أن نجعل منهما جنّة سياحية على الأرض، نظرا للاكرام الذي يحاط به مار الياس من اتباع جميع الديانات.
يعود وفدنا الأردني، وفي البال ألف حكاية عن تطوّر السياحة الدينية لدى «الآخر»، وعن السياحة التي تحتاج للكثير من الجهود، كي تصبح جاذبة للبعيد والقريب ليأتي لزيارتنا والصلاة في أماكننا الأقدس. ولا شيء مستحيل لدى الله.
Abouna.org@gmail.com
الرأي