أنهيت واجب المشاركة في تشييع جنازة أحد المعارف وقد لفت انتباهي غياب بعض الرموز من أبناء عشيرة المتوفى وطريقة عزاء من حضر منهم ممن أوشت تعابير وجوههم المتجهمة بأنهم أتوا فقط من باب تقديم واجب العزاء استعراضا أمام الآخرين وأن قلوبهم ما زال يعمرها السواد والغضب الشديد تجاه أبناء عمومتهم الذين خالفوهم الموقف أثناء الانتخابات النيابية السابقة والتي جرت قبل أكثر من عام ، أشفقت على الفريقين موقنا من طول بقائهم على هذه الحال حيث كنت قد مررت بحالة مشابهة تماما عندما اختار أحد أقاربي الوقوف إلى جانب صديق له نافسني في انتخابات سابقة مما أدى لخصومات بين أبناء عشيرتي لم نتمكن من انهائها إلا بعد مرور ثلاثة عشر عاما بالرغم من محاولاتي المتكررة وبمساعدة بعض الأقارب لرأب الصدع قبل فوات كل تلك السنين.
في طريق العودة إلى البيت وبنفسية الزاهد - بعد طول الوقفة بين القبور - تقافزت لمخيلتي كل الصور والمشاهدات التي خبرتها في انتخاباتنا البلدية والنيابية إضافة لما تابعته من مجريات انتخابات الرئاسة الأمريكية بدءا من اصطفاف الناخبين الأمريكان بطوابير طويلة منتظمة لعدة ساعات قبل وصولهم لصناديق الإقتراع وانتهاء بتعيين منافسة الرئيس المنتخب وزيرة للخارجية مرورا بالعديد من الاجتماعات بين الرئيس المنتخب والرئيس المنتهية ولايته . في الجانب الآخر نحن نتوسل الناخب الذهاب إلى صندوق الإقتراع ، ليس لدى مرشحينا برامج معلنة وإن كتبها أحدهم لن يجد من يقرأها من الناخبين ، نترشح على غير هدى وننتخب على غير هدى ، الجفاء والصدود سمة المتنافسين ومؤازريهم ، ليس عندنا مراسم إستلام وتسليم فالذاهب مترجل عن كرسيه عنوة عنه والقادم آت بنشوة المحتل المنتصر .
تذكرت كم من الأغاني والأشعار استهلكنا وكم من التصريحات والمبررات أطلقنا حول شعار ( الأردن أولا ) بينما لم أسمع مطربا واحدا ولا شاعرا عموديا أو نبطيا أمريكيا واحدا من شتى المنابت والأصول قال شيئا حول شعار ( أمريكا أولا ) ، لكن كل الأمريكان عملوا لأمريكا أولا ، فقد اصطف الناخبون من أجل أمريكا وترشح المتنافسون لأجل أمريكا وأعطيت الأصوات لمن قدم برامج وأفكار اعتقد الناخب أنها لمصلحة أمريكا لتكون أمريكا أولا فعلا دون قول .
أكره أمريكا لأنانيتها وانحيازها لإسرائيل لكني أحب أن نتعلم منها ما يفيدنا ويسهم في بناء أوطاننا لأنني أؤمن بأن الأردن أولا وأستذكر هنا قول جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين لمجموعة من المهندسين الزراعيين شاركوا في مظاهرة ضد التطبيع بعد توقيع معاهدة السلام ، أن لا أحد يجبركم على التطبيع لكن لديكم فرصة الآن لمعرفة كيف ينتج الدونم الواحد غربي النهر أضعاف ما ينتج مثيله شرقا .
mustafawaked@hotmail.com