الأردن / اسئلة ورهانات مستقبلية!
اللواء محمد البدارين
24-07-2017 04:38 AM
1-3
بات من الطبيعي ، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الشرق الاوسط ، ان تنطرح الاسئلة بغزارة حول المستقبل ، سواء تعلق الامر بمستقبل الدول او المجتمعات والطوائف والكيانات المختلفة ، ولما كان الاردن يقع في قلب هذه المنطقة المضطربة من العالم ، فانه كغيره من دولها بات يواجه نفس الاسئلة والرهانات المتعلقة بالمستقبل ، رغم عدم تورطه مباشرة بحالة الاضطراب السائدة.
ومن الطبيعي، تبعا لذلك، ان تتكاثر التحليلات والتصورات المتعلقة بالتحولات والتغييرات المحتملة، التي قد تشمل الاردن في سياق حلول اقليمية محتملة او سيناريوهات متوقعة قد تنتهي اليها هذه الاحوال المضطربة في هذا الجزء الحساس من العالم، المعروف بتعقيداته الاستراتيجية الكبرى.
وعند البحث والتدقيق في معطيات الواقع الاردني الفعلي باعتباره المدخل المنطقي لمطالعة الوضع المستقبلي المحتمل، فان البحث الموضوعي يقود لضرورة ملاحظة عناصر القوة المتحركة والفعالة في هذا الواقع. وفي اطار عملية الاستكشاف المطلوبة ، يظهر بوضوح ان مركز القوة الرئيسي المتحرك والفعّال في الواقع الاردني الراهن هو )الملك ) ليس بوصفه رئيس الدولة فحسب ، ولكن بما يحوزه ايضا من امكانيات واسعة للتأثير ، سواء تعلق الامر بالواقع الداخلي او في المجال الخارجي ذا التأثير على الوضع الداخلي.
ولدى مراجعة الادبيات الملكية ذات الصلة بقضية المستقبل ، نلاحظ بوضوح تركيزا ملكيا مكثفا من اجل التحكم بتشكيل صورة مستقبلية اردنية مرغوبة ، يقوم محتواها على التطلع نحو بناء دولة المواطنة والمؤسسات والقانون ، مع ما يصاحب ذلك من تركيز ملكي على الامل والثقة بالمستقبل ، والحرص على استقطاب اكبر قدر من الاجماع الوطني ، للانخراط في المجهود الوطني العام لتحقيق الاهداف المرغوبة. لكن المستقبل المرغوب فيه ، يستدعي من الناس في الاردن التفاخر بأعمالهم لا بأقوالهم ، كما يقول الملك للناس مباشرة ، في اشارة ذات معنى خاص في الواقع الاجتماعي الاردني.
ففي خطاب تعبوي نادر على اثر الاستجابة الشعبية الغلابة على حادثة استشهاد الطيار معاذ الكساسبة ، دعا الملك عبدالله الثاني الاردنيين لرفع رؤوسهم فخرا واعتزازا بإنجازات وطنهم ، وحثهم على السعي من اجل استشراف المستقبل المطموح بتحقيقه ، وانهى الملك ذلك الخطاب المؤثر بجملة مفتوحة وفوّارة بالمعنى يقول فيها( وما كان قدر هذا البلد يوما الا ان يكون بداية لما هو اعظم ) وستتكرر بعد ذلك العديد من الاشارات الملكية الرمزية التي ستفتح مزيدا من التحليلات ، وكانت اشد هذه الاشارات الملكية اثارة للبحث هي الاعلان عن رفع الراية الهاشمية في احتفال عسكري مهيب ظهر فيه الجنود الاردنيون بملامح غاضبة وهم يرتدون اشمغتهم الحمراء بالمقلوب.
وربما من وحي تلك الاشارات ، برز في المشهد الاردني ، اتجاهان يتوقعان توسعا اردنيا في المنطقة ، تحت عنوان الاردن الكبير. حيث يرى اصحاب الاتجاه الاول بأن الاردن مؤهل لعملية توسع جغرافي، اما اصحاب الاتجاه الثاني فيستبعدون احتمال التوسع الجغرافي ويرون امكانية تكبير الاردن ديمغرافيا داخل حدوده.
ويبدو ان طروحات كلا الاتجاهين ترتبط بتلك الكمية الهائلة من التحليلات المتداولة حول احتمالات الوضع المستقبلي في المنطقة، وهي احتمالات مرتبطة بما يقع او بما يمكن ان يقع من تحولات وتغييرات اقليمية. وتستند معظم هذه التحليلات الى تسريبات او تخرصات تتعلق بمصائر الدول والكيانات المجاورة للأردن، والانعكاسات المحتملة لتلك المصائر على الواقع الاردني.
وفي مواجهة العديد من السيناريوهات المستقبلية المتداولة، تبدو مهمة اي باحث لاستجلاء الوضع المستقبلي الاردني، محفوفة بمخاطر تخييب آمال أطراف عديدة تطمع او تطمح بأوضاع مستقبلية على هواها، من دون ان تستند هذه المطامع او المطامح الى مرتكزات حقيقية في الواقع الفعلي. فلا مؤشرات في الواقع الاردني الفعلي تشير الى امكانية ظهور ما يسمى الاردن الكبير، سواء عبر عمليات توسعية شمالا او شرقا، او عبر عمليات استيعاب ديمغرافي كبرى داخل الحدود. لكن السؤال المزمن الذي سيبقى عالقا، هو ما يمكن ان تؤول اليه الاوضاع الفلسطينية غربا، وتزداد اهمية هذا السؤال لأنه يتعلق ايضا بالعامل الاسرائيلي الفعّال في المنطقة.
ولذلك فان اي محاولة للتعرف على الوضع المستقبلي المحتمل في الاردن، تستدعي بالضرورة فهما عميقا لحركة عناصر الواقع الراهن، من دون اية مبالغات تتجاوز امكانيات هذا الواقع. وإذا كان صحيحا ان الاسئلة والرهانات الاردنية الكبرى ذات صلة وثيقة بعوامل خارجية، فان من الصحيح ايضا ان بعض قوى الداخل تبالغ بالمراهنة على قوة العوامل الخارجية وتأثيراتها، بشكل يؤدي لاستنتاجات مبالغ فيها. وفي حدود كل هذه المعطيات يقع بحثنا هذا، بهدف التوصل الى تصور مستقبلي قابل للحدوث، وليس الى سيناريوهات متخيلة بدون سند واقعي.
( يتبع ).