عن الفاسدين .. الكبير والصغير
فارس الحباشنة
23-07-2017 02:26 PM
إذا.. عن أي مكافحة فساد يتحدثون؟ لا يمكن اعتبار تصريح رئيس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد محمد العلاف عاديا حول ضرورة اعادة النظر بـ1200 تشريع، تتراوح ما بين تعليمات وانظمة وقوانين.
حديث العلاف في الجلسة الحوارية التي نظمها أمس منتدى الاستراتيجيات الاردني لا يمكن أن يقابل بهز الرؤوس، باعترافه فان الفساد دخل دائرة الارقام القياسية ما بين تشريعات مطلوب اعادة النظر بها، والامتداد الافقي للفساد الاصغر» الرشوة» في 20 قطاعا حددتها الهيئة، وقالت :إن ما يستشري بها هذا النوع من الفساد.
أرقام منسوب انزياحها العام متطرف وفاضح، وتقول : بان معادلة محاربة الفساد بحاجة الى ثورة على الثورة، او بلغة السياسة ثورة مضادة، فيبدو أن السر بوصفات تخميد الفساد في بلادنا سحرية، وما نعرفه عن الفساد هي مجرد رتوش وتفاصيل تعطى كمسكنات لا أكثر ولا أقل.
«الفساد الصغير « والرشوة التي تحدث عنها العلاف، يمكن أن يقرأ بالمقلوب، ولو اردنا أن نكون حكماء ومنطقيين وموضوعيين أكثر في تشخيص حال الفساد في بلادنا، فالموظف الصغير يرتشي لأن موظفه الاكبر مرتشٍ أيضا، وكلاهما يعترفان على بعض ويخفيان الاعتراف، ولربما أن هذا هو الانقلاب الحقيقي في منظومة الفساد.
ولربما أنه لم يخرج أحد طوال العقد الجاري على القانون السري للفساد، وهو قانون لا مرئي، ويعرف المحقق والجهة الرقابية أن وراء كل قضية فساد باختلاف حجمها ومستواها، تقف ايد كبيرة خفية تحميه وتفتح له الطريق، قد تسمح من الاقتراب من فاسد واحد فقط، ولكنها لا تسمح بالاقتراب من « ميكانزيم «منظومة الفساد.
وهذا ما يحدث كثيرا في قضايا فساد، إن لم تفكك الابواب الخلفية المغلقة، فترى أن القضية عادة ما تتوقف عند متهم واحد ويختفي اخرون كثر يقفون وراء الستار في مقاعد غامضة يتداركون الامر ويتدخلون في الاوقات المناسبة إن امتد طول حديث الاعتراف والمكاشفة في القضية، ومن هنا تتساقط اسماء واسماء.
قياس الفساد بالاحجام والاوزان أظن أنه منطوق غير سليم، فمن الطبيعي أن يكون الموظف الفاسد الصغير فاسدا كبيرا بعد 20 عاما، وهذا ما تقوله قصص الصعود الغامض في ثروات بعض كبار الموظفين ، وهذا ما تقوله المعاملات اليومية، حيث اصبحت الرشوة مباشرة ومغلفة عقدا غير معلن بين المواطن والموظف الحكومي.
ومن الجانب الاخر، فيبدو اليوم أن الرشوة باتت مقبولة اجتماعيا واخلاقيا وليست بالجريمة بنظر المجتمع، اصبحت جزءا من منظومة لا مرئية متحكمة ومسيطرة، وليس من العيب القول مثلا أن الموظف الفلاني يرتشي، بالعكس فانه يصور على أنه طموح ومجتهد وشاطر وقادر على تدبير حاله.
وثمة ما هو ملحوظ بان الموظف يشعر بالامان أكثر، لانه لو فتح طابق فساد الجهاز الحكومي، فالفضيحة قد تكون مدوية وكبيرة ، ولربما ان الفاسد لا يتعرى او يسقط الا اذا ما سقطت المنظومة والشبكة والقوى الخفية التي تحميه.
وهكذا توحش الفساد في البلاد، وتحول الى مؤسسة موازية لا تقاس بالاحجام والاوزان، الفاسد الواحد مؤسسة في حد ذاته، وهي في كل مكان، في البحث عن وظيفة لابد من واسطة ورشوة، والحصول على رخصة قيادة او اصدار بطاقة شخصية او اقرار وتقدير ضريبي او اذن اشغال وبناء وغيرها أو ايصال عداد ماء وكهرباء.
لا بد من واسطة، وبطبيعة الحال فان الواسطة لا يحركها غير الرشوة والمحسوبية، وهناك نخبة احترفت هذا الشكل من الفساد، تسأله ما مهنتك : فيجيب، خدمات عامة ومخلص معاملات مثلا ؟ طيب، كيف تمشي الامور، الله اعلم.. بطرق اسطورية : عجيبة وغريبة، فان قرارات حكومية تلغى وتستبدل باخرى مضادة.
هؤلاء من يسميهم رئيس هئية النزاهة ومكافحة الفساد « صغار الفاسدين. الفساد الصغير الذي تحدث عنه العلاف ليس فرديا، بل إنه يتحرك بقوة جماعية، منظورها ابعد من تلقي رشوة مالية معينة.
الدستور