ظاهرة "العلماديني" إسلام البحيري
م. أشرف غسان مقطش
23-07-2017 12:39 PM
في نهاية كانون الأول من عام 2015، حكمت محكمة مصرية بحبس المفكر إسلام البحيري عاما واحدا بعد قبول استئنافه الذي تقدم به لديها إثر صدور حكم عليه بالسجن 5 سنوات بعد إدانته بازدراء الدين الإسلامي.
يا للمفارقة! كيف فعل المصريون ذلك والدستور المصري يقول في المادة 64: حرية الاعتقاد مطلقة، وفي المادة 65: حرية الرأي مكفولة، وفي المادة 66: حرية البحث العلمي مكفولة؟ لماذا هذه الازدواجية في التعامل مع التنويريين؟ أم أن فتاوى الأزهر ملزمة أكثر من مواد الدستور المصري؟
ترى ماذا قال إسلام البحيري في الدين الإسلامي وهو الحاصل على الماجستير في "طرائق التعامل مع التراث" من جامعة ويلز ببريطانيا حتى كمموا فمه عاما كاملا؟
مما قاله إسلام البحيري أن من الممكن لغير المؤمنين أن يدخلوا الجنة؛ فانبرى له الدكتور عيد يوسف، أمين لجنة الفتوى في الأزهر قائلا: " إن كلامك عن دخول غير المؤمنين الجنة مناقض للكتاب والسنة لأن كل من كفر بالله ولم يؤمن بمحمد وجحدوا برسالة الله ورسالة محمد سيدخلون النار".
وهنا اقول تأييدا لإسلام البحيري: الجنة ليست مشروطة بدين الإنسان أيا كان هذا الدين. الجنة مشروطة بالمعاملة. وإلا ما ذنب بوذي مثلا -لا حصرا- قضى حياته بالعمل الصالح أن يدخل جهنم لأنه لم يؤمن بموسى أو بابن مريم أو بالمصطفى؟!
ومما قاله إسلام البحيري في معرض دفاعه عن وجهة نظره بأن لا أحد يحتكر الحقيقة تحت مظلة دينه: "يا سيدي -مخاطبا المسلم- أنت على حق لكن هذا لا يمنع أن غيرك من الممكن أن يكون على حق".
وهنا أقول تأييدا لإسلام البحيري: أنا أحتكر الحقيقة؛ إذن أنا إرهابي. الحقيقة ليست حكرا لأي كان. الحقيقة ليست هويتها الديانة هذه أو تلك. الحقيقة هويتها البحث العلمي المستمر عنها بموضوعية وحيادية، بعيدا عن الأهواء الشخصية والميول الذاتية، وذلك في سبيل رقي الإنسان بغض النظر عن ملته.
لا يتسع المجال هنا لذكر كل ما قاله الباحث المصري التنويري؛ فبمجرد مشاهدة مناظراته مع معارضيه في برنامج "أجرأ الكلام" لطوني خليفة وغيرها من البرامج التي يفيض بها "اليوتيوب"، يتضح لنا مدى علو سقف العقلانية التي يخاطب بها المسلمين.
قالوا عنه: علماني، وزنديق، وكافر. وشتموه بأقذع الشتائم التي تنضح بما فيها إناء كل من لعنه وسبه، وبعضهم فعلها من على منابر المساجد للأسف الشديد. لا بل وصل الأمر بأحد معارضيه بمحاولة نزع حذائه ليضربه به!
وإنني أخالفهم فيما قالوا عنه أنه علماني، ولعلني لا أغالي إن قلت في إسلام البحيري أنه علماديني؛ أي ليس علمانيا مطلقا وليس دينيا مطلقا، إنما علماديني؛ فهو يقف على مسافة واحدة من العلمانية والدين. لا بل لعلني لا أبالغ إذا قلت أنه أتقن جدا في عملية الجمع بينهما في بوتقة واحدة!
ومن جهة أخرى، لا غرابة في قصة هذا الظاهرة؛ فهذا حال كل ديانة يستيقظ بها عقل تنويري محاولا الانتفاض على التوريث الأعمى للعقيدة. فالتاريخ مليء بمثل هذه القصص إن كان في اليهودية أو المسيحية أو الإسلامية.